الأحد، 5 ديسمبر 2010

صندوق المرضى

1
كانت أمي تصحبني كل مرة من جديد الى صندوق المرضى في ديانا في الشارع الذي اكتشفت لاحقا أن أسمه "الوادي الجواني" ...(لا أعرف من أطلق هذا الأسم عليه) أما رائحة الكعك بسمسم عند مطلع الدرج فكانت كأنها تبكي على "العرب المتدحرجين من الأندلس"...
2
كانت أمي تصحبني الى صندوق المرضى في ديانا كل مرة من جديد ، كنا ندخل هناك متجاوزين رائحة الكعك الأنف الذكر ورائحة الزعتر الغريب ...لم أفهم مرة لماذا يختلف الزعتر الذي يباع مع الكعكة الحلقية المسمسمة عن ذاك المتوفر في البيت (كنت مدمنا على الزعتر والبطاطا المقلية)..فزعتر صندوق المرضى دقيق وناعم جدا ومليء بالملح ولونه بني فاتح أشبه بالخراء...
3
كانت أمي تصحبني الى صندوق المرضى في ديانا كل مرة من جديد، مع أننا كنا نخرج من هناك دون إجابة ...كل مرة مع ذات الإجابة المعدومة أنفاسها ...كنت اتلوى بالبيت من أوجاع البطن والخاصرة والصدر ثم اشق الطريق من بيتنا في حي اسبنيولي القريب الى ديانا ونصعد نفس درجات السمسم والزعتر ثم أشاهد الممرضة المخيفة بنظارات كعب القنينة وأسأل نفسي لماذا أعيش ؟ ثم أتذكر أن ثمة حلقة معادة من "حارة أبو عواد" بطولة نجمتي المفضلة آنذاك "عبير عيسى" ... مع أننا كنا نخرج من هناك دون إجابة..وهذا ما يسمونه في قواميس أيامنا هذه ...العجز...وفي تلك الأيام بداية "الكفر"..
4
العجز وابو عواد وعبير عيسى وحمام الهنا و"بربار نحماد" و"بيت فيستوك"...عن أي عجز أتحدث ..كنت أصاب بالحمى* والآلام المبرحة كل أسبوعين ونصف وكنت استيقظ باكرا مع الوجع فيقرر والداي انني سأبقى في البيت ذلك اليوم أيضا..ولم يكونوا بحاجة لكثير من المبررات لذلك...فقد كنت أتوجع بحق..كنت أتناول الحليب وقرشلة حماد ثم أتقيأهما مجبولين ببعض ثم أقضم خبزا عربيا وجبنة صفراء وأتقيأهما هم أيضا ثم ينتهي كل شيء عند حافة الزيت والزعتر والخبز الإفرنجي المحمص...ثم تلك النزهة اليومية مع الكلب المتخيل الى صندوق المرضى حيث السمسم والزعتر والممرضة المرعبة ... مع أننا كنا نخرج من هناك دون إجابة...عن أي عجز أتحدث..
5
مع أنني كنت أكره المدرسة كرها أسودا لا زال يطاردني في الأحلام حتى الآن... إلا أن الشعور بأنني في عز الظهيرة كنت أطارد مع أمي ذلك الكائن الذي يدعى "لا إجابة" شكل جانبا من منظومة مخاوفي المتشابكة ..قرب سريري لا يوجد أولاد فهم في المدرسة..في نزلة إدمون شحادة لا يوجد أولاد لأنهم في المدرسة في بولس السادس لا أولاد فهم في المدرسة ..في الوادي الجواني لا أولاد لأنهم وراء أسوار المدرسة الإعدادية الجماهيرية الدمقراطية على أطراف الشارع..فهم في المدرسة وانت لا ..ولكنك تكره المدرسة تكرها كره "العمى" وتنتظر أن تكبر وتصبح كاتبا مشهورا يعيش في المدينة الكبرى ويضاجع كل شيء حوله ويسافر ويسكر ويسهر ويلبس ويأكل السوشي والتاباس ويعرف الفرق بين البيسترو والبراسيري ...إذا لماذا هذا الشعور الجارف بالعجز...أكره الكحول أيضا...

6
العجز..وما هو العجز ...أهو ذلك الشعور بالإقصاء...جميع الأولاد بالمدرسة وأنا عند درج السمسم والزعتر مع أنني أكره المدرسة...أم هو ذلك الشعور بالخيبة من العيش ..بمعنى آخر عندما كنا نخرج من هناك دون إجابة...
7
صرت اصطحب امي كل ظهيرة أحد الى صندوق المرضى ذاته بعد مئة سنة بعد أن أصبح الباب كهربائيا ..غاب بائع الكعك بسمسم عن دوامه الزعتري اليوم..يوم قائظ في قلب الشتاء... انتظر المطر في عربتي الفارهة ..أراقب عبر الزجاج... يدخل الناس الذين غادرتهم ثم يعودون بعدها دون تعابير دراماتيكية تذكر...لا يخرج أحد من صندوق المرضى وهو ثائر أو يبكي او يلطم او يلقي بنفسه تحت عجلات باص البلد الأبيض والأخضر...هذه المرأة مقيمة في كوخ ديلوكس في صندوق المرضى منذ مئات السنين وهذا الرجل..لا غير معقول ..لماذا تغير الى هذا الحد إنه زميلي من مقاعد الدراسة الإبتدائية (هذا عندما كنت اذهب أصلا) اصبح بشعر أبيض خفيف جدا وبدن هزيل بكرش لا تنتمي ابدا للجسد المعلقة علية ...معصم نحيل ..بنطلون جينز مهتريء قميص "بولو" مزيف لم يغسل منذ دهور..صندل مقشر ..عيون ميتة ..كان لا يغيب ابدا عن المدرسة..يصعد صاحب الصندل الدرج ..لا يبحث عن بائع السمسم والزعتر ...تبتلعه الأبواب الكهربائية...يدخل الناس ويخرجون بلا إجابات ...هذا ما كنت اهرب منه منذ دهر..افتح باب عربتي ..اخرج منها...لقد أصبحت قريبا جدا!!

*ملاحظة: مع نهاية مرحلة المراهقة شخص الأطباء الحالة على انها "حمى البحر الأبيض المتوسط" المعروفة ب-FMF.

الخميس، 28 أكتوبر 2010

أي شو هالخنقة هاي؟

يعني بكفيش شباب عرب ال48 او سموهن متل ما بدكوا مش فارقة ع طيزي..بطلت فارقة عنجد بكفيش العنصرية اللي بواجهوها ومستقبلهن المظلم وصعوبة انهن يلاقوا شغل وسكن وحياة أقل ما يقال عنها طبيعية ...وبكفيش كمان القوانين الفاشية اللي نازلة ترف عليهن كل يوم ..لأ شو؟ والجماعة باورشليم القدس قايمين بواجبهن وزيادة يعني شو بدي أقول..مبدعين حقيقيين بصياغة القوانين والتفنن فيها وبالكراهية اللي طالعة منها ..وبكفيش انو هالشباب المساكين بيضطروا كل يوم يمرقوا من جنب قراهم المسروقة ابا عن جد واحيائهم اللي ساكنين فيها ناس مقاطيع من آخر ما عمر الله ..من أستونيا قلك ..من وين طلعتلنا هاي البلاد فجأة ولا لتوانيا ولا هديك شو أسمها..آه روسيا البيضاء بيلاروس..بكفيش انهن شايفين الغربا بستمتعوا بخيرات بلادهن ومقدراتها وهن ساكتين وراضين لأن فش عندهن خيار تاني ولا تالت تيقدروا يتعلموا ويشتغلوا ويتطوروا ويعيشوا عاد زي مساخيط ربنا اللي بكل العالم الحر والكر ...بكفيش انهن محبوسين هون لأ وكمان الحركات الأصولية (الإسلامية والمسيحية احسن ما حدا يبدا يبرطم ويبربر) وكمان القومجيون الجدد اللي بدال ما يقترحوا مشروع تحرري للفرد أولا عشان يقدر الجموع يتحرر عاملين العكس ..شو الجماعة مش مقصرين كابسين على انفاس هالشباب!!أما شو كبسة أخت شلن ..يعني خنقة من اللي قلبكو بعجبو...المساكين بدال ما يشموا شوية هوا نقي ويفرفشوا عن حالهن ...لاحقين عالهم مهو معبى بقناني وبينباع ببلاش بسوبر فارم قال شو بوخدوهن على قرى مهجورة ومهدمة وملانة حيايا وعقارب وعظام ميتين صارت عظامهن مكاحل وبصراحة تريحوا وريحوا ..طب ماهي هالقرى هاي مصمودة قدامهن بالروحة وبالجية ليل نهار وبصراحة هي انسب مكان الواحد يروح يختلي فيو برفيق/رفيقة لذتو ...بتعرفوا الشاب عنا فش عندو احتياجات عاطفية ولا جنسية ..فش وقت إحنا شعب رهبان وراهبات أقدس من هاي التفاهات اللي استوردناها من الغرب ...شو جنس ما جنس...هاي أمور دخيلة على مشهدنا الفلسطيني وكمان نستخدم أسماء أماكن الها تاريخ ..لا عنجد هاي جريمة !!! ومثليون؟؟ شو القرف إحنا معناش مثليون إحنا شعب متمنع جنسيا ..يعني الشاب لو عارف يتسخم ويختلي مع صاحبتوولا صاحبو بالبيت او بشي محل زي الخلق..بطلعش معها بالسيارة عاحراش صفورية المهجرة أو معلول الصامدة...حجارتها..! ما علينا ولا الواحد بلحقش هيك يفرفش ويشوف شبابو زي الناس قبل الإمتحانات ولا قبل يوم طويل تحت أشعة شمس بلادنا المشحرة وهو يطوبر ويحمل حجارة ولا بطلعولك ..اليوم إضراب وبكرا ذكرى هاي المجزرة وبعد بكرا هديك واليوم هديك المجزرة ذكرى سقوط يافا وبكرا حيفا وبعدو بيسان ماهي حياتنا مجزرة مستمرة لشو نضل نجتر فيها..اي هو لو جدودنا عرفوا يحافظوا عهالبلاد كنا تسخمنا هالتسخيمة..وكل هدا بكفيش يعني وإذا الشاب كان محظوظ ولقالو شي شغلة منيحة بتل أبيب مع سكنة زي الكلاب بجنوب المدينة مع شوية حرية مسموح يعمل هيك ! بس عشرط ..(القومجيون الجدد بدعوا لإنخراط الأكاديميين العرب في الشركات الكبرى اللي معظمها بتل ابيب والقدس الغربية بس الجماعة ماقترحوش الية لهالموضوع) ممنوع يدخل كلمات عبرية بحكيو ..اي .شو هو سوبرمان واحنا مش عارفين..يعني بدو يروح يبكي عند موظفة البنك ويقولها ارجوكي ارفعيلي سقف الإعتماد تبعي أو أرحموني من قرض الإسكان اللي ورطوني فيو –الموظفة راح تفكروا بتحركش فيها جنسيا..ولا هاي كلمة "ريموت كونترول" واللة اذا حدا قالي اعطيني "البسطور" بتشكى عليه لليسام! بكفيش التفرقة العنصرية والتعتير والقهر والكبت والبطالة ..كمان اذا هالشب قال "بسيدر" ببطل عربي نظيف بيصير زي ما ولاد عمنا بعشقوا يوصفونا "عربي وسخ" ..وهيك بيصفصفوا العرب النظاف الوحيدين هم مجاهدي الجمعيات الأهلية بالناصرة وحيفا اللي يا حرام!!بيجاهدوا عالطيارات اللي مقلعة عالمؤتمرات واللي هابطة منها...اللي مقلعة عالمؤتمرات واللي هابطة منها! لأ وشوه هدول بلحقوش يقطعولك محسوم قلنديا عرام اللة الأبية أو بروحوا ععمان او عمصر او عتونس وببلشوا يقدموا كشوفات اعتذار وهشت بالجملة وتخوين ببعضهن البعض ! إحنا منحكيش مع يهود، منعرفش عبراني، منرحش عتل ابيب ، حيفا مرشومة عرب قوميين، الإسرائليين؟؟ ياي قرف منعرفش عنهم إشي ؟ منشتريش منهن؟ امهاتنا بعملوا الجبنة والخبز والزعتر بالمزرعة الجماعية ، والجمعيات الأهلية بتصرف علينا مش مخليتنا عاوزين إشي..هاريتنا مجدرة...وتسألوش عالضراط مش ملحقين!

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

أسمع الأخرين يتحدثون عن رائحة التراب في الشتاء الأول

1
أسمع الأخرين يتحدثون عن رائحة التراب في الشتاء الأول ، ولا أفهم أأنا من أخطأ في حسابات شعائر القيظ أم أن النواحي الشعرية باتت مفتوحة الفرج لمن هم سواي فقط...أسمع الأخرين يتحدثون فيما بينهم عن رائحة الشتاء الأول ووجوب شرب زجاجة نبيذ أخرجت لتوها من قبو منسي –أه لحظة- ودلق أول رشفة منها على حلمة الحبيب وتذوق الفرق..ولا أفهم..أأنا لوحدي من يجلس بدل ذلك ويحسب كم تستغرق المسافة بدقة غير متناهية بين شجرة جافة تحتضر من الفناء والغياب وبين شجرة بدات تتحتضر هي الأخرى من شدة الفيض وزحام المرايا... ..(لحظة) كما ان لا زجاجة نبيذ مناسبة في هذا القبو الذي ورثته عن ملاك متخفي..والزجاجة التي تستلقي فيه عصية على الفتح وقد تستدعي حسابات طويلة يكون المطر الأول قد مضى ندما خلالها وهجمت الشمس الحارقة بما فيها من سخرية سوداء ليعود المطر الثاني بعد أن يكتسب صفة "العالة"..ها أنا أسمع الديدان تتراقص صفوفا صفوفا فرحا برطوبة التربة ، ابتهاجا بالمطر الأول ..ولا أفهم..هل أنا من أخطا في حساب المسافة بين اسفل عنقك وهذا المعول...
2
اسمع الأخرين يتحدثون عن زحمة الأوراق المتراصة على الرصيف بعد الشتاء الأول ..ولا أفهم أأنا من أخطأ في حسابات نظريات التساقط أم أن رياح الخريف تهب في نواح لا تصطف فيها الأسئلة خيوطا متناسلة..أسمع الأخرين يتحدثون فيما بينهم عن قصائد الحب التي ترسمها الأوراق المتراصة عند زحمة الرصيف بعد الشتاء الأول بيوم واحد واهمية تغطية جسد الحبيب بتلك الأوراق الرطبة الترابية كي يفر عفريت الغيرة الى لا رجعة.. ولا أفهم..أأنا لوحدي من يجلس بدل ذلك ليحسب كم تستغرق المسافة اللازمة لاجتياز دربا يبدأ بورقة واحدة متساقطة وينتهي بسيول من الندم لا تتوقف..(لحظة) كما ان لا قارورة زيت مسحور تستحق كل هذا الثمن في القبو الذي ورثته عن احتمال جدتي.. أما القارورة التي تستلقي في زاوية التبول فهي تحوي رسالة نسخها صبي في الثامنة من كتاب " الموطن" موطنه، ها أنا أسمع الطحالب تتراقص دوائر دوائر احتفالا ببشائر الدمع.. ولا أفهم..هل أنا من أخطا في حساب المسافة بين إظفري وحواف ظهرك..

3
أرى الآخرين يدونون أصوات المزاريب بنوتات موسيقية على الأرض الرطبة في الخارج بعد الشتاء الأول..ولا أفهم أأنا من أخطأ في حسابات هندسة الخشوع الشتائي المداهم أم أن سمفونية المزاريب تفوق صياح ديك آيل للذبح في تجريحها..أرى الآخرين يجلسون على مقاعد قديمة في حدائق الغياب لوحدهم يعدون الغيوم الرمادية المتدافعة من بين أنامل آلهتها ويبتكرون أحدث طرق الإنتحار وأشجاها ليدسونها في أوراق بنية فاتحة لن يقرأها سوى ظلهم المالح..ولا أفهم .. أأنا لوحدي من يكتب نثرا عن نغمات احتكاك السراويل بأفخاذ صلبة، طرية شقية تبحث عن مرتع ترتطم فيه بمرايا الدنس.. ..(لحظة) كما أن لا غيم في القبو الذي ورثته عن رجل الصورة ..في القبو صور لناس غابوا . غاب.أكثرهم ...لم يبق أحد بحق..في القبو شمعدانات لم يضع احدا فيها شموع المطر الأول منذ قرون ..وفي القبو ماكينة حياكة "سينجر" نسي الغازون إدخالها ضمن قوائم غنائمهم المعنوية..وفي القبو مقص...شكلت فيه سيدة هيئة سحرها الأخير..وفي القبو..دمية شقراء كنت قد نسيتها منذ عام 1982 هناك..ولكنها لم تتوقف عن ملاحقتي في كل قبو حللت فيه..في القبو صورة قديمة لعائلة اختفت على ضفاف بحيرة طبريا..ولا أفهم..هل انا من أخطأ في حساب المسافة بين شهوتك وتقشر جلدي...
(الناصرة)

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

تلك الروائح

1
نجلس أنا وأمي في العربة…
نستقلها إلى المَشفى أو إلى المصحّ أو إلى حيث يتجمّد الزمان ثم ينام طويلا ويستيقظ فجأة ليقهقه… هذا ما تركه لي جدّ جدّ جدّي المنحدر من جبل لبنان، ذلك الطرف الذي يلامس البحر ولا يشرب سوى خديعة شكله وهول رطوبته… ها نحن قد ارتدينا أجمل ملابسنا الأوروبية (في حالتي) والأمريكية (في حالة أمي)؛ أما أنا فتعطّرتُ لأوّل مرة بعطر فرنسيّ جميل تلقيته هدية من أغلى ما لا أملك –لا أحد يصدق أنني أكره العطور الفرنسية وأُفضّل الإيطالية- أما أمي فقد ارتدت هي أيضًا أجمل ما لديها… أجمل ما أحضرت معها من الشام قبل مئات السنين.. تلك الحاجيات وشتلة الياسمين التي تمتدّ وتمتدّ وتكاد تبتلع لنا “أرض الديار”، حتى بحرة الماء التي تنتظر جدتي في وسط الدار كي تعود من الموت لتسقيها…
اغتالها الياسمين.. تتعطر أمي بخلاصة الياسمين من قارورة نحاسية تناقلتها البنات ولا ينتهي السّائل الشفاف الذي بداخلها كما أنه لا يتعكّر أو يكتسب شكلاً غمائميًا. نخمد أنا وأمي حرائق الحرّ المُهلك في غابة ما تبقى لنا.. فتمتصّ ملابسنا الأنيقة وملامحنا المتوسّلة إلى تصنيف.. كلّ الرماد ومخلفاته وكل ما لم يحترق من جزيئات عصية.. نخمد الحرائق ونتّشح بسوادها.. ها نحن نكتسب أخيرًا تصنيفًا ما… فكلّ شيء له ثمن كما يقول الكليشيه الممجوج والمبتذل… وثمن اكتساب ملامح متناغمة مع المحيط هو الغوص في مستنقع لا تذوب حرائقه ولا تفنى..
نجلس أنا وأمي في العربة…
وتسأل نفسها او تسألني.. في نفس النقطة التي أتوقع أن تفعل هذا:
أوووف… ما هذه الروائح الكريهة؟

2
ما هذه الروائح الكريهة؟
هل تسألينني أنا؟ أم تسألين نفسك؟ وفي حال كنت تسألينني أنا بصفتي أباك الجديد الذي يعرف كافة الأجابات والتفسيرات لكلّ الأسئلة والمعضلات ودوافع الشرّ والشرذمة والقتل والقهر والبؤس والشقاء و.. و.. كيف أقولها كي لا أبدو كالمُولولات في الأفلام المصرية.. عدم تقسيم السّعادة بشكل متوازن. بمعنى نزع كل شيء من شخص وإلقاؤه وحيدًا في مكان كذلك الذي نحن في طريقنا إليه الآن.. هل تفهمين من أين تنبع أو تنبثق أو تتمَوْسق تلك الروائح الغريبة التي هي خليط من أعشاب محروقة وجثث متحللة بسرعة مذهلة؟ هل تريدنني أن أجيبك بطريقتي؟ بطريقة الأب المستحدث.. وإن كنت تسألينني فهذا يعني أنك تتقبلين كل شيء فيّ وعني.. تتقبلينني وهذا خيارك.. وإلا فلا تسأليني ولنَمْضِ سوية صامتيْن في طريقنا لننبش في أكوام ما أبقاه لنا أبونا الحقيقيّ من تركة نتنة..
خوفي من العمر والتجاعيد على وجهي ومن المرض والعقم والعجز والوحدة والفقر والعوز والألم والنسيان والتذكّر المفرط وخوفي من الحقيقة ومخلفاتها وخوفي من الغرباء والدين والمُنقبات والشرطة والجيش والشاباك وخوفي من ارتطام سيارتي بشاحنة واختفائي تحتها
إنها رائحة هذه الكلاب السّائبة التي ماتت عطشًا في هذه الجهنم وتركت أجسادها مُلقاة على الأرصفة، منفوخة وتنتفخ كلّ يوم أكثر وأكثر كلما مررت قربها.. لا ترحم الشمس أبدانها، تنهال عليها من دون حساب تنخر في جلدها وتكوّن ثقبًا في أسفل البطن يتسع ويتسع ويتسع كلما مررت من هنا ويفرز دماءً متخثرة وعصاراتِ أحشاء ومكوّناتٍ أكثر وأكثر مما أعرف… وإنها رائحة العرق البشريّ المتراكم فوق أتربة الحيرة؛ أنهار من العرق تتدفق الآن من وراء الحدود نحو حقول القش الميتة التي حولنا.. أعرف أنك قد تقولين لي إنّ ثمة مزيلات للعرق (ديودورانت) وإنّ النساء غير مُجبرات على ارتداء الأسود في هذا الحرّ الفظيع.. وأنه في أيامكم لم يكن هنالك حجاب.. وأنك تشعرين بأنّ هذا ليس زمنك/زمننا وأنّ شيئا ما قام بخيانتك.. ولكن هذه الرائحة قد تكون لأشخاص قُتلوا وتم إخفاء جثثهم في الآبار.. ولم يلحظ أحد غيابهم… تلاشوا هكذا وبقيت رائحتهم.. إنها الرائحة الكريهة لبلادنا.. وبلاد الآخرين.

3
نمُرُّ من نفس النقطة عائديْن مُغبرّيْن برماد الخسائر.
ما هذه الروائح الكريهة؟
إن كنت تُصرِّين على أنني أبوكِ.. ومعنى هذا أنك تتقبلين كل شيء مني.. تتقبلينني كما أنا.. فاقول لك إذًا: إنّ تلك الروائح هي روائح خوفي.. خوفي من العمر والتجاعيد على وجهي ومن المرض والعقم والعجز والوحدة والفقر والعوز والألم والنسيان والتذكّر المفرط وخوفي من الحقيقة ومخلفاتها وخوفي من الغرباء والدين والمُنقبات والشرطة والجيش والشاباك وخوفي من ارتطام سيارتي بشاحنة واختفائي تحتها.. خوفي من الطريق وانفجار الإطار والعمر والوحدة والفقر والعوز والألم والنسيان في وجهي.. خوفي من الحاجة والاحتياج. خوفي من احتياجك لي واحتياجي لك.. أو عدم احتياجي.. أو عدم احتياجك..
إفتحي قارورة الياسمين الدمشقيّ يا أمي
..

الأربعاء، 28 يوليو 2010

بطاقة مبعوجة

ندخل الى السيارة .درجة الحرارة فيها 500 مئوية.زجاجة المياه المعدنية. تغلي . نظاراتي الشمسية التي اشتريتها من البواقي انبعجت. وكذلك بطاقة صندوق المرضى.يصرخ الجميع. علي أن أحل مشكلة الحرارة للكل.بأية طريقة ممكنة لا يهم فكل شيء متعلق بي وبإرادتي . فأنا صاحب الحلول.تعتقد المرأة الجالسة قربي أن في داخلي مكيف. يخرج منه الهواء المثلج النقي والمنعش ويخترق أذناي وفمي وأنفي و..و. .كما تعتقد الكلبة الجالسة في الخلف أنني بمجرد ملامستها وجعلها تلعق أذني فسيتساقط ثلج بلوري ساحر .أشغل المكيف رحمة بالعباد.كالعادة أو بالطبع تقول لي المرأة التي تجلس بجانبي أن التكييف عالي وأنها تكاد تموت من البرد. نخرج من الموقف أو نود الخروج منه. لا سبيل. لقد أضعت بطاقة الدخول وبالتالي علينا قضاء ما تبقى من حياتنا في هذا المرآب المداهم. يصرخ الطفل من وحشة العتمة والهواء الفاتر المنفلت من صهاريج السيارة.ثم تبول الكلبة على أرضية السيارة الجديدة، ويمر عشرون عاما...ندخل المجمع التجاري أو المول أو الكنيون بلغة الإحتلال التثقيفية. الهي ما هذا العدد من الأطفال. كيف تساقطوا في هذا الفضاء. واو.. وأخير هواء تكييف طبيعي غير مجبول بغازات الإبادة الجماعية المتدافعة من المحركات. يمتلئ المكان بالآباء المرهقين الذين يبحثون عن أقرب سكين يقطعون به شرايين معاصمهم الهشة أصلا.يتدافع الأطفال. وتكاد الأمهات تقتل واحدة الأخرى من الغيرة وفنون المقارنة . ولا تتنازل أي واحدة منهن عن حشر ذاتها في حفاضات الطفولة المستعملة.أسمع ضجيجا من بعيد..صراخا . يقولون بأن أحد الإباء أصيب بانهيار عصبي مفاجئ...داني. كفى كفى كفىىىىىى . نشتري بالونات فتتفجر في وجوهنا. نشتري ماكدونالدز هابي-ميل. نلقي قطعة اللحم المقرفة في وجه با با .ونلهو ب"شريك" وعصابته. يعتقد البائع في ماكدونالدز انني اعتقد وانني مؤمن بأعمق حالات إيماني أن الدمية الوحشية المرفقة بالهابي ميل..هي هدية! نشتري بوظة نلعق منها قليلا . تستقر نصف كرة من البوظة عند حواف شعيرات صدري.لا أعرف كيف وصلت الى هناك. تستقر ثم تدووووووووووووب. ندخل منطقة الألعاب. أحاول تحييد تفكيري الجرثومي قليلا .لا استطيع. كل هذه الألعاب مليئة بالجراثيم . أقف بعيدا . تقول لي الكلبة . كل شيء في عالمنا هذا مليئا بالجراثيم ..حتى أنا! هل تصدق ذلك؟ حتى أنا! يتزاحم الأطفال حول تماثيل الألعاب التي تشغل بالشيكل ..يطلب مني طفلي او يأمرني ان نتوجه للعبة الحصان .نذهب الى هناك . يعمل هذا الحصان بشيكلين وليس بشيكل واحد. ادخل قطعة 2 شيكل جديدة. فيلفظها الحصان. تقول لي إحدى الأمهات التي تملؤها الطاقة أنه علي أن أحول القطعة الى 2 شيكل منفصلة كي تتحرك اللعبة.أبدأ رحلة البحث...حدا يعطيني ورقة...حدا يعطيني ورقة ...على رأي فيروز في مسرحية "المحطة ". في هذه الأثناء يضيع كل من/ما كان معي بما في ذلك هاتفي الخلوي..الخليوي ..النقال ..الجوال..المحمول..الموبايل..المتحرك..أو البيليفون بلغة الاحتلال التثقيفية. يبكي طفلي قرب الحصان. علي إنشاء مجموعة بالفيسبوك لحل معضلة تشغيل الألعاب بقطع 2 شيكل منفصلة. أعود بالقطع المعدنية. أحاول تشغيل الحصان . أحمل طفلي وأثبته على ظهر الحصان . يبدأ بالتململ ..ثم بالاستغاثة..بخاف ...بخاف...
بعد لم الشمل ...ننتظر المصعد ننتظر وننتظر..يصل المصعد حيث ننتظر ولكنه لا يقف ..يلهو به الشبان المراهقين. فيصعد..ويهبط..ثم يصعد مرة أخرى..تقول امرأة عربية ستينية متعجرفة لإبنتها/ كنتها(والفرق شاسع) ..شو هدا القرف عندكو ، بأميركا مش ممكن يصير هيك. عنا باميركا ...المحلات أنظف..والبوظة اطيب..والأكل ببلاش ومرمي بالشوارع...وعنا بأميركا الأطفال مؤدبين..والكلاب بيعملوش بي بي وكاكي من أصله..ويصل المصعد... ندخل الى السيارة..الرطوبة الف بالمائة ..يطلب مني الجميع ايجاد حلا فوريا للمشكلة ..أفكر بكتابي الجديد..والسيناريو السينمائي الذي أكتب ..والنص القادم..والمقالة التي طلبوا مني كتابتها في برلين. ومشاريعي الخريفية الواعدة ...نغرق في مستنقع عرقنا...أشغل المكيف..واخيرا ماتت السيدة الجالسة بقربي من شدة البرد. لقد أضعت بطاقة الدخول مرة أخرى .كما ان بطاقة هويتي انبعجت وتحللت من شدة الحرارة والرطوبة. سنعيش هنا ..وتمضي عشرين سنة أخرى...
ما أتفه الصيف...

الثلاثاء، 13 يوليو 2010

مكعب

1
أدخل الى مكعب أو مستطيل مرتفع افتراضي مكيف ..تختزل فيه الساعات ذاتها وتتهاوى مستسلمة ..ألامس أطراف تلك البوابة الدائرية ..يسلمني الباب نحو الداخل أمانة ثمينة تتداول بأسرارها وأسرار الخليقة من وراء غشاء منسوج بالقليل من كل ما لا يلامس لذة وجعه . أخاف الإتصال بمن ينتظر متعرقا في الخارج فالمرايا هنا مصقولة بعناية زائفة .يسألني الحارس للمرة الألف: من أنت و.ألا زلت تصدق أكذوبة التاريخ هذه؟
2
بعد هذا ..اتذكر "ملحم بركات" لا أعرف لماذا ! أتذكر العزف في أسمه وأغانيه السبعينية قبل الحرب الأهلية أو بعدها ..لا أعرف ..لا يهم (بل يهم –تخيل أنه كان يغني لحبيبته التي اختفت في بيروت الشرقية هي وقصتهما خلف الحواجز الطائفية – دراما أهم واكثر وقعا من مجرد تأويلات رومانسية سخيفة) ماذا أسمع محتميا بهذا التكييف ؟ "وحدي أنا" أم "بين البيوت والقناطر" أم حبيتك وبحبك؟" فأنا لا أحب أغانيه الجديدة..يداهمني صوت ، يقتحم أسلاك سماعات أذني...ألا زلت تربط كل نغم تسمعه بأحداث هذه المنطقة العبثية السخيفة؟
3
في برج المكاتب المكيف هذا أسمع إذا "حبيتك وبحبك تيبطل الموج يركض ورا الموج وتخلص الساعات..." فجأة انظر أمامي ..كل من يجلس امامي وبجانبي ومن ورائي لن يفهم... هل سيفهم هذا الروسي الذي يجلس قبالتي والذي يدعي ان هذه بلاده، من اي كهف شمالي يخرج صوت ملحم بركات أم ان ذلك لم يعد مهما!..يهبط روح القدس على الروسي الهادئ (هدوءه مثير للقلق) الجالس أمامي والذي تتشابك سيقاننا بشكل غير مقصود كلما استعرنا غفوة قيظ عند اشلاء النهار..يتحدث الروسي فجأة بالألسن كما كان يعلمنا استاذ جورج في دروس الدين الموجهة جدا جدا...يقول لي تلميذ يسوع المستحدث ...الجديد وبالعربية ..الا زلت تؤمن أن أراضي صيدون وقانا تتاخم أراضي اليهودية ولاخيش وزفولون؟..
4
قبل هذا ...تتشابك السيقان و يبدو كل شيء مثل "غابه من السيقان" وهو ايضا فيلم مصري سبعيني (لدى حمى سبعينية غير واضحة المعالم حيث لم تكن المكيفات مفهومة ضمنا بحيث تفصل الحق عن العدل) ...سأحاول ان اسأل الجالس أمامي الآن إن كان قد شاهد "غابة من السيقان" هذا –عندما كانت السيقان العربية متاحة ومكشوفة في زمن الميني جوب ..أحاول أيضا أن أرسم في مخيلتي (في حال لم يعرف!) كيف تبدو غابة السيقان هذه ...ربما من الأفضل أن أساله إن كان يدرك الفارق بين الحق والعدل في برج المكاتب المكيف هذا.. ولكنني لا أعرف اسمه الحقيقي . يقول لي التلميذ مرة أخرى: الا تعرف أن الحق والعدل باتا واحدا وان القوي هو من يسن القوانين التي تصنع العدل أو أسوأ من ذلك "العدالة" ؟
5
ولكنني لا أعرف اسمه الحقيقي..ففي برج المكاتب المكيف هذا حيث لا أسماء حقيقية ...كل يغير اسمه واسم عائلته على هواه ووفق إحداثية وجوده وظروفها ..وهذا ما يحدث عندما تسأل احدهم ماذا يقربك فلان ..فيجيبك بدوره وبفخر كبير ..اه هذا ليس اسم عائلتي الحقيقي...عندما صعدنا الى البلاد نصحونا بتغيير أسمنا فغيرناه أو بالأحرى "عبرناه" وأصبح هكذا ...أما الأسم الشخصي فهو معبرن في أماكن وشوارع وبنايات وغير معبرن في أماكن وشوارع وبنايات أخرى..أما في ابراج المكاتب المرتفعة ..فإن الاسم الثلاثي يخضع للتأثير المضاعف لقوة التكييف (ضرب) ارتفاع الدور. الن تكف عن الإعتقاد السخيف والمبتذل أن أسماء الأشخاص التي تقال لك هي الأسماء الحقيقة ؟ الن تكف عن ذلك بربك(إن وجد)؟

6
أخرج من مكعب أو مستطيل مرتفع إفتراضي مكيف ..تختزل فيه الساعات ذاتها وتتهاوى مستسلمة ..ألامس أطراف تلك البوابة الدائرية ..يلفظني الباب الى الخارج ثم يصفعني هواء أو لا-هواء ساخن مثقل بالحقيقة والرطوبة الخانقة التي تنزف شرا ينتهك كل ما يحيا...يسألني شحاذ يسكن داخل حجر مقدسي متقن الصنع...ألا زلت تصدق تلك الكذبة؟

الخميس، 1 يوليو 2010

Sex and the city 2 كيف تأكل المرأة المنقبة أصابع التشيبس?

لا شك أن الأشرطة السينمائية التي تلت المسلسل الأمريكي الشهير Sex and the city جاءت تتويجا واستثمارا لنجاح العمل التلفزيوني لا أكثر ولا أقل ومن خلال سيناريوهات مهلهلة فاضحة بضعفها وتترك المجال برحابة صدر وبتواطؤ لعرض الأزياء والإكسسوارات الأسخن والأرقى في العالم ، إلى درجة جعلت تناول الأعمال السينمائية هذه في الإعلام الغربي يتركز ويسلط الأضواء على أسماء المصممين الكبار والواعدين الذين نالوا شرف ظهور حاجياتهم الأزيائية بالفيلم الأول الذي هو عبارة عن مهزلة سينمائية حقيقية على صعيد القصة والسيناريو ..وقد نالت حمى الأزياء هذه من الفيلم بجزئه الثاني بشكل حجب الأنظار عن كل شيء آخر ...وهكذا تجاهل الإعلام المتخصص الغربي قصة Sex and the city 2 الإشكالية عن سبق إصرار بينما تم التركيز على مصادر الفساتين والإكسسوارات والحلي والحقائب وحتى الأثاث والديكور المنزلي ..وبالفعل فإن الشريط الذي يمتد على حوالي 150 دقيقة عرض سينمائي هو عبارة عن فيلم ترويجي ممتاز لآخر وأغلى صرعات الأناقة العالمية والتي ستجتاح العالم في هذا الصيف انطلاقا من حاضرته الأبدية "نيويورك"..ويقودني هذا الى مدينة أخرى هي "أبو ظبي" فيها تجري أحداث معظم الفيلم حيث تسافر البطلات بدعوة من شيخ إماراتي برحلة ملوكية للترويج لفندقه الفاحش الفخامة بخدمه وحشمه ..ومن هنا تبدأ المقارنة الحتمية بين المدن نيويورك-أبو ظبي (هذا وعلى الرغم من تواضع المستوى الفني للعمل).
عندما يظهر عالمنا العربي في أفلام هوليوودية يركبنا كنقاد ومشاهدين ألف عفريت حول النظرة النمطية، التشويه وتزييف صورة العرب ، وبحق أقول أن هذا ما انتابني عندما بدأت تظهر الصورة "النمطية" لأبي ظبي في الفيلم ..سأكتب ضد النظرة النمطية العنصرية هذه..ولكن ومع نهاية الشريط ومع خروجي من دار العرض توقفت قليلا وتمتمت في داخلي "بتعرفوا شو؟؟معهن حق"...
حتى وإن كانت مقاصد صناع الفيلم شيطانية وخبيثة ..أليست هذه هي الحقيقة؟ حقيقتنا الآن كعرب نقف حائرين خارج الفعل الإنساني؟ ففي صراع نيويورك- أبو ظبي ...نيويورك هي الفائزة وبجدارة فهي مدينة القشور البراقة والموضة والإجرام (إن أردتم) ولكن أيضا الثقافة والأدب والفنون والتقدم التكنولوجي وتقديس الفرد وحريته الفكرية والجنسية والشعورية ..بينما تقف أبو ظبي بأبراجها الشاهقة وفخامتها وأناقتها وقشورها زاعقة اللون ..تقف على ركام من التقاليد الشرسة والخواء...فالفيلم لم يزيف شيئا للأسف- ينجز العرب كل شيء بإتقان على صعيد الشكل وهنا ينتهي كل شيء فالشكل والمظهر الخارجي ..الشكلي والديني وإلى ما ذلك يحكم كل شيء وليس فقط في الخليج ولكن أيضا في بلاد الشام ومصر والمغرب...فبالفعل شغلنا الشاغل حاليا ..ما هو شكل الحجاب أو النقاب الذي يتوجب على المرأة وضعه وكيف بحق السماء ستأكل طبق البطاطا المقلية دون أن تزيل النقاب كما حدث في أحد مشاهد الفيلم المحرجة...أبو ظبي كمثيلاتها من المدن العربية تتعرى فجأة من طلائها البراق وتكشف عن أنيابها عندما يتجرأ أحدهم على طرح جنسويته على الملأ وبسذاجة بينما يسمح كل شيء في الحجر والقصور المغلقة المؤمنة من قبل حراس هنود..بينما يتفنن الغرب في إبداع أساليب تعزز حرية أفراده الفكرية والعقائدية والجنسية بشكل أصبح مفهوما ضمنا وخارج البحث أصلا .
إذا هذه صورة العرب الآن- كيف تأكل المرأة المنقبة أصابع التشيبس- الإجابة ضمن أحداث Sex and the city 2 ويكفي فيلم رائج شاهده مئات الملايين حتى الآن في أنحاء العالم لتكريس صورة ...هي للأسف غير نمطية.

الخميس، 17 يونيو 2010

متروبولين الماضي

ماذا أصاب الناس ؟ ولماذا يتذكر الجميع بهذه الكثافة والآن بالذات أسماء القرى التي ابتلعها متروبولين تل أبيب ...قلب إسرائيل الثقافي والإقتصادي النابض؟
ففي يوم الأحد حيث أشرف على ورشة كتابة إبداعية في يافا...يداهمني التلاميذ بنصوص تستحضر البلدات والنواحي التي كانت تحيط بيافا (دون ان أطلب من أحد هذا)...هكذا ومن دون سابق تحضير وفي لقاء كان من المفترض أن نتحدث فيه عن الفظاظة وتوظيفاتها الأدبية ومن ثم عن الحوارات وقيمتها الجمالية في النص ...تحولنا فجأة ومن خلال نص مداهم الى الحديث عن "جماسين الغربية" و "جماسين الشرقية" من خلال تلميذ مشارك في الورشة توقف عن القراءة وأخذ يشرح لنا عن جده المنحدر من جماسين التي يحل محلها الأن حي برجوازي مسالم يلامس صخب المدينة ولكنه يتنكر له وهو حي "بابلي" الذي يسمى ايضا حي النساء المطلقات , نسبة للعنة الطلاق التي تحل بكل من تسكن هناك ...هذه جماسين الغربية الأقرب الى البحر..أما جماسين الشرقية فهي ووفق ما آل اليه حوار الورشة الإبداعية من صراع حول دقة المعلومات ومن يملكها ..فهي تقع فيما يعرف الأن ببورصة المجوهرات في رمات جان وهي منطقة تعج بالرجال الأغنياء بملامح حادة جدا وقاسية ونساء قليلات تعملن بين السكرتارية والدعارة على أشكالها ...إذا بت أعرف عن جماسين ...أما جدة تلميذي (الذي يعمل في الليل كعارض دراج كوين في إحدى حانات تل أبيب المحترمة) فهي من المنشية ومن إحداثية متناهية الدقة...وهي بالتالي (أي الجدة) كانت تعتبر نفسها أكثر برجوازية ومدينية من زوجها بسبب تحول بلدتها الى حي شمالي من مدينة يافا مما نزع عنها لعنة الريفية...قضمت أحياء تل أبيب الجنوبية حي المنشية الذي تحول تجمعات إنسانية بتلون لا تصدق عبثيته...يقول لي أحد الطلاب: لو بقيت المنشية لكانت الأن جوهرة شرق المتوسط (يعمل هذا التلميذ في مركز لإغاثة المراهقين الذين يعملون بالدعارة).
وفي يوم الإثنين أجلس مع صديقة في مقهى على طريق سلمة أو شلومو لنتناقش فجأة حول تداعيات الأسم وهل بالفعل إذا قطعنا الطريق التي تبتر المدينة من الغرب الى الشرق فإننا سنصل قرية سلمة الماثلة آثارها حتى يومنا هذا ضمن حي مهلهل يسمى كفار شاليم...إذا فلنكمل الطريق حتى أقصاه لنرى إن بلغنا أطلال القرية أو لا...
في يوم الثلاثاء أقصد مكتبة جامعة تل أبيب فأصادف زميلا "تقدميا" من أولئك الذين يبذلون جهدا فظيعا لإثبات شرعية اللقب، يؤشر لي الرجل نحو بيت شكله غريب ولا ينتمي للطراز المعماري الرتيب الذي يميز أغنى احياء البلد –حي رمات أفيف...هل ترى؟ أتعرف ما هذا ؟ إنه من أثار بلدة الشيخ مؤنس...
اتلقى في يوم الأربعاء هاتفا من صديق عالق في أزمة سير على مشارف تل ابيب الشمالية الشرقية وتحديدا قرب مدينة بيتاح تكفا – ويقولها لي بتهكم منمق : قرب قرية ملبّس(يعمل هذا الصديق اخصائيا نفسيا في قسم سرطان الأطفال في إحدى المستشفيات...
في يوم الخميس يتم اكتشاف جثة متحللة في بنايتي ليجري نقلها الى مشرحة "ابو كبير" المقامة على أراضي قرية أبو كبير :هذا ما يقوله لي جاري الذي لم أكلمه في حياتي...قد يكون هو القاتل ..ويحاول الإختباء من وراء الاعيب التاريخ... ومكر الماضي...
أما في يوم الجمعة ..فتهبط على كتفي فراشة هاربة من يازور..
أتأمل في يوم السبت الخارطة من جديد وكأن شيئا سيتغير ويفوتني في لحظات أغمض فيها عيني

الثلاثاء، 25 مايو 2010

في لندن..

في لندن لا يمكنني الكتابه وفق رغبة قاريء وفيّ لي...ومتخيل..قاريء هو خليط من كل ما سمعت من إطراءات وملاحظات في حياتي معجون على شكل كائن واحد أشبه بالجان الذي يرافقني أنّى حللت وفي كل زاوية أقع فيها متورطا ..أو عاشقا
في لندن لا يمكنني الكتابة ككتابتي عن عاصمة أوروبية جميلة بمقاه حالمة وانعطافات شوارع تنزف عذوبة لا تحتمل مما يثير الغيرة والحقد الشرق الأوسطي المنكوب بمدنه الإسمنتية القبيحة التي لا ترحمها الشمس ولا الأغبرة ..
في لندن أهرب من حصار ذاك الجان الذي يرافقني ملتصقا بي حتى في أدق اللحظات حميمية و..و وحشيةَ..أهرب منه عبر الزقاقات الى الجادات العريضة وأسجن نفسي داخل حجرات تبديل الملابس ..
في لندن لا حالة نفسية محددة ...لا حالة نفسية أصلا..لا شعور يمكن إعرابه بدقة .فإذا كنت في منطقة "السيتي" تشعر أنك في مركز العالم بحق أو أنك دمية داخل لعبة ليجو هي تصغيرا حادا للندن كنت قد اشتريتها لإبني قبل هذا بشهر ..أما إذا كنت جنوب شرق النهر وأبعد فإنك قد تشعر (وبحق) بأن أحدهم طردك من العالم بأسره وسجنك داخل العدم والقى بالمفتاح في مجرى قناة المانش القريبة...
في لندن أشعر أنني كاتب فاقد للإيحاءات وبأنني سطحي وتافه...ثم يتغير ذلك فجأة في بؤرة أخرى ...
في لندن يقول لي صحفي صديق..لا تقلق! شارع أوكسفورد قريب.. قريب جدا من هنا ونايت بريدج أقرب أما ساوث كينسنجتون فهو أقرب وأقرب...إذا لماذا أشعر أن كل شيء بعيد..بعيد وغير متاح (حسيا على الأقل ) الى هذه الدرجة ...
في لندن ...أصل الى استنتاج خطير وحاسم وطالما تجاهلته ..أو كنسته تحت السجادة كما تقول الأمثال السامية ..فأنا مدمن على شراء الملابس والأحذية ...نقطة.
في لندن..تبا لتلك الحوانيت التي تقفل في السابعة والنصف مساء (عز الظهر) أضطر في جلسة مثقفين هامة أن أخترع كذبة ... آسف لدي لقاء آخر ذا طابع ثقافي سري وفي الطرف الشرقي من المدينة ..أخرج مبكرا وأهرول الى الحوانيت الحبيبة لأضاجعها بقوة..ثم أنتشي..
في لندن..(ليس كما في باريس) لا يسألك أحد من أين أتيت ..يظهر أن الجميع غرباء...
في لندن تصبح الناصرة طاولة في بار أو مطعم في حي ترندي-trendy أعيد اكتشافه من جديد بواسطة الشبان الباحثين أبدا عن زاوية جديدة أو ناحية منسية يمكنها ان تتحول الى ركن ابداعي وأزيائي في المدينة العظمى..
في لندن يمكنك ان تستعير كل رقعة ترغب وتحولها الى أية إحداثية أخرى بحيث تفقد شعورك بالمكان الأصلي بعد حين..نجتمع ثلاثة نصراويين على طاولة (يا للكارثة)..نستعرض الأسماء والفضائح التي لا تبخل بها علينا أبدا المدينة الصغيرة: من تزوج من؟ من تطلق؟ من خان من؟ من خانت من؟ ماذا حدث لذاك وماذا حل بتلك..من مات ..من يحتضر..من أصيب بالسرطان..من ضبطت زوجها مع أختها..من تحول جذريا منذ أيام المدرسة وأصبح أهم..من ذبل منهجيا منذ أيام المدرسة بحيث أصبح شبحا..من أجرى جراحة لتحويل الجنس؟.. ثم عن الزيجات المختلطة، وجرائم القتل الأخيرة وعن تلك التي سافرت الى الولايات المتحدة وعادت بعدها بعامين تحمل طفلا على كتفها ..تدعي أن أباه مات ..وعن طبقتنا الآخذه بالتآكل والهرم وعن المدرسة قبل عشرين عاما وأكثر ... عشرون عاما..يا الهي الى هذه الدرجة ..كبرنا!
في لندن التقي بكتاب وصحفيين وشعراء ومفكرين عرب في الصحف ومحطات التلفزة ومقاهي إدجوار رود...هنالك هالة غريبة على رؤوسهم لا يمكن تفكيك مكوناتها ..هالة عجيبة لا يمكنني شرح ملامحها..ببساطة..
في لندن أسأل كل شخص عربي ألتقيه (شبه مازحا) إن كان من حزب الله ويسعى من خلال لقائنا هذا الى تجنيدي!!
أيار2010

الاثنين، 10 مايو 2010

تشلينوف أو تشيلنوف צֶ'לנוב או צְ'לֵנוב

أمر كل صباح عبر ثكنة تشيلنوف
أو كما يصححني أصدقائي ويقولون تشلينوف
Whatever
يقف هناك رجال كثيرون لونهم أسود
يؤشرون لي بأيديهم وعيونهم كي أقف
أبطيء من هرولة عربتي
....
فأنا الرجل الأبيض هذه المرة
ولي سيارة فارهة عائلية عمرها
ثلاث سنوات ونيف...
رجل أبيض بتطلعات طبقية إكزوتيكية...
يؤشر لي رجلان...
مشهد افتتاحي رائع لفيلم إباحي

أبطيء من عربتي أكثر...
فأنا كنت سيد هذه البلاد...أو هكذا يقولون
وفي تشيلنوف أو تشلينوف
كانت قرية عربية تدعى... Whatever
وكان جد جدي يشغل العمال من حوران
في معمل تبغه الذي دمر...
أو هكذا يقولون
مشهد افتتاحي رائع لفيلم تاريخي بديل
أوقف السيارة..
أزيل نظارتي الشمسية...
تصفعني الشمس
وأفكار مزعجة أخرى
...ثم أنطلق
فغزة لا تزال بلا كهرباء
وقانون العودة ما زال يسري
أما حق العودة..فلا
أو هكذا يقولون...
Whatever
فهذا مشهد ختامي رائع لفيلم مهرجانات أوروبية قصير
أيار2010
כל בוקר אני עובר דרך מובלעת צֶ'לנוב
או כמו שחבריי מתקנים אותי, צְ'לֵנוב
Whatever
עומדים שם גברים רבים, צבעם שחור
בידיהם ובעיניהם מסמנים לי לעצור
אני מאט קצת את יהירותה של מכוניתי

כי הפעם אני הוא הגבר הלבן
ויש לי מכונית מפוארת בת שלוש
שנים וקצת
אני הגבר הלבן בעל הראייה המעמדית-אקזוטית
שני שחורים מסמנים לי...
סצנת פתיחה מדהימה לסרט פורנו
אני מאט יותר את מכוניתי

אני הייתי אדון הארץ הזו...או ככה אומרים
ובצֶ'לנוב או בצְ'לֵנוב
היה כפר ערבי שקראו לו... Whatever
וסבא-רבא העסיק פועלים מחוראן
במפעל ה-TOBACCO שנהרס
או ככה אומרים
סצנת פתיחה מדהימה לסרט היסטוריה אלטרנטיבי


עוצר אני את המכונית
מסיר את משקפי השמש
השמש סוטרת לי
סוטרים רעיונות מעיקים אחרים

אני ממשיך לנסוע
כי עזה עדיין בלי חשמל
וחוק השבות בתוקף
וזכות השיבה לא
או ככה אומרים
Whatever
וזאת כבר סצנת סיום מדהימה לסרט קצר של פסטיבלים אירופאים

מאי 2010

الثلاثاء، 4 مايو 2010

حيّز

1
استلق بقربي على الفراش.. نتدحرج حول الغطاء... نتلوّى، نفرشه بساطاً.. نجمعه نخلة تظللنا... نلعق رتابة عصرونة حارّة ينتجها حبل نور دقيق يتسلل من شرخ في النافذة الخشبية القديمة حيث تتساقط أجزاء من طلائها الجاف المهترىء على رؤوس اليمام وأطرافه.بقربي حيز اكتشفته الآن أغلقت التلفاز بعد نهاية الفيلم الشعري الجميل وعبرت على الصور الفوتوغرافية للعام قبل الأخير. للمرة الألف وقرأت مسودة رسالة مشوهة كتبت لغزال تحولت الى نثرية نشرت قبل ثلاثة أعوام.. ثم تناولت قهوتي المطعمة بالفل والتبغ ورائحة بيت تذوب حوافه الأخيرة أمامي الآن...ثم تمددت على سرير الطفولة.. واكتشفت حيزاً يحتمي بأقمشة رطبة تتعرق وفرشة استطالت عليها السنون... بين الفرار والعودة واللجوء ... وها أنا قد أقفلت التلفاز على حب ينتهي ببطء قاتل.. وأنهيت جميع حروبي. بقربي حيّز اكتشفته الآن..استلق بقربي نتبادل الصمت وتعرقنا وحرارة جلدنا والأنفاس...أنفاسنا صلوات تتمازج تحلّق فوقنا بقليل وتبقى... أنفاسنا المتمازجة تختتم يوماً آخر عقيماً.. يوم.. أيام.. كثيرة..أناس تركوا..أناس ألقينا بهم.. أناس انصهروا في سوء فهم.. أناس صاروا أهم وآخرون تديّنوا وآخرون اختفوا وآخرون تغيروا أو نفذ لديهم الكلام.. حب ينتهي... ووهم يبدأ.. حب.. وهم.. ديدان تصير فراشات والفراشات تحترق تلو الأخرى ومسحوقها الفيروزي يتناثر علينا الآن ويخترق صلوات أنفاسنا.. ويتشكل في العتمة طيف لطفل يعدو.. الى الخلاص

2
في العربة التي تهرول بي في العتمة اكتشفت الآن حيزاً..حب أو لا حب..عشق.. وله.. تعوّد.. عناقأريد أن أتوقف وأعانق حباً.. عند تلك الزاوية المخضرمة..الحاجة المترقرقة كالدموع والعيون تبحث في ليلة مضاءة بحنين قد يكون هاوية...آه من تلك الحياة التي فاجأتني بالأمس.. الحوار الضاحك المر..والسير والسير فالسير والشرب والصمت والسجائر والقهوة والرقص والأنحناء والتمدد والتمزق والتجمع والغيرة والحب والحقد والشوق والاشتياق والرهبة..»وثلاثون الف عام انتظرنا كي نتطارح وهج الحقيقة
آه من تلك الحياة التي هاتفتني بالأمس..استلقي بقربي نتحاور عيونا...أنفاسنا تعاويذ خافتة تتسرب فوقنا بقليل وتبقى..أنفاسنا المتماجنة تختتم يوماً مداهما وحيرة.. أيام كثيرة... أناس اختفوا.. وها هم ظهروا .. كانوا يشغلون الحيّز طوال الوقت..جسد الحنين هاوية....
2003

الخميس، 22 أبريل 2010

خيانات مشروعة-هواجس كتابية في ذكرى النكبة

ثمة أمور قد يستشعرها الكاتب عن بعد وقد تكون غير واضحة أو غير موجهة له بشكل مباشر وحاسم ، كمنع أو امتناع "دبلوماسي " مثلا عن نشر نص أو مقالة له لأسباب أخلاقية أو إيديولوجية أو دينية أو كلها مجتمعة ...وهذا ما حدث معي مع نص بعنوان " بإنتظار ماتتياهو" حيث امتنعت ذاتيا عن نشره محليا (وما هو مفهوم المحلية بالإنترنت؟؟) بعد ان كان سيخضع لحذوفات وتشويهات ،تنازلت عن شرفها بالنهاية بينما نشر النص كما هو في موقع مصري جميل هو " الكتابة الجديدة" دون أن يحذف منه حرفا واحدا ...ويقودني أسم هذا الموقع الى موضوعة "الكتابة الفلسطينية الجديدة" التي تواجه تحديات وجودية صعبة معظمها داخلية ...فعلى الرغم من محاولات فردية للفلتان من القالب والثقل السياسي والكتابة بالتالي بدافع فني ينبثق من مشاعر حقيقية وتفاصيل يومية غير معروفة تعكس الواقع الشائك على الأرض إلا إننا وللأسف ما زلنا أسرى ما هو "متوقع" عربيا من كاتب يعيش في فلسطين على أقسامها وهكذا تتعاظم المصاعب الكتابية وتتفاقم..فإضافة الى المحاذير الكتابية "الأخلاقية" التي يفرضها مجتمع ماض بعزم نحو السلفية والتدين المزيف مما يصعّب من عملية الكتابة ذات الطابع الجنسي والإيروسي والكتابة التي تحوي الفاظا حقيقية تستخدم كل ثانية الا أنها تندرج تحت فئة الألفاظ النابية أدبيا مع أنها سليمة لغويا واستخدمت في الماضي العربي الأغنى ...فإن الرقابة غير المعلنة حول الفحوى والتناول النصي هي الأخطر برأيي (أو انني بت لا أعرف ما هو الأخطر من ماذا ) فككاتب يعيش داخل فلسطين وخاصة في المناطق المحتلة عام 48 لديك شعور دائم بأنه يتوجب عليك التماهي مع مأساة اللاجيء وخاصة من هو في عمرك والذي ولد في المنفى ولم يرى فلسطين في حياته الى درجة إلغاء الواقع المفروض على الأرض ..تماهي يصل الى درجة تجعلك تتقمص المتخيل في رأسه وتصف البلاد كما كان هو سيصفها أو سيتعاطى مع أبجدياتها.بمعنى أن تسمعه بالضبط ما يود سماعه..تدخل هذه المعضلة الكاتب في متاهة فكرية تجعله يكذب كذبة ويصدقها ..وهذا ما حاولت وحاول غيري للإنصاف تحطيمه في نصوص على شاكلة "بإنتظار ماتتياهو" ولكن كيف تجرؤ على وصف حي في شمال تل أبيب بشاعرية تفوح منها رائحة تواطؤ ...هذا ما كاد يقوله لي أحد المعلقين على النص...فوفق هذا المفهوم ووفق دوامة المتوقع من النص المكتوب فعلي بدل أن أكتب عن ملامح حياتي الصغيرة على الأرض وأصدائها الوطنية ..من حب، ومرض، وخيبة واحتياج وشهوة وحيرة وترقب وانتظار وملل وشوق وفقدان وموت وحياة جديدة وأشياء صغيرة أخرى . كزحمة السير على مشارف المدن أو جرائم القتل العبثية في الصحف ...أشياء.يومية وبحق صغيرة ولكنها عظيمة بالنسبة لي ..لأنها عني ..ولأن هذا هو أنا ..ولأنني بالصدفة أعيش (أو أحاول أن أعيش) ما أنا .. يتوجب علي وفق ثقافة القالب أن أتغنى ببحر حيفا(الحربي بمعظمة) وكرملها (الإستيطاني بإمتياز) وبيارات يافا (غير الموجودة) وكأنني أسرح وأمرح فيها ليل نهار وكل ذلك بلغة مهذبة لا تتجاوز حدود وضعها أشخاص مصابون بالهلع والإنغلاق القومي المرضي.. نص يخلو من أي سخرية من الذات أو سخرية مطلقة أو تشكيك بالمسلّمات المعطوبة أو نقاشها أو حتى محاولة تناول تاريخنا ونكبتنا مثلا من زاوية أخرى قد تثير تساؤلات...إن عدم تحرير اللغة وتوسيع قماشتها هو بالضبط كعدم تحرير الكلمة من ضوابطها وحبسها ويصب كل ذلك في عدم تحرير الفكر الكتابي (إن وجد) من مخاوفه الأعمق والمستوحاة من المحيط عادة..فلذلك نجد أن الاستمناء الفكري والشعوري الرومانسي المتبادل بين الفلسطينيين والعرب وكتابهم سواء كانوا من الداخل أو الشتات لا يزال السائد على الرغم من محاولات التمرد الفردية ونلاحظ ذلك بشكل كوميدي وعبثي في الفيس بوك عندما يتكاتب فلسطينيين أحدهم من الداخل والآخر من الشتات حين يبدو كأن فلسطيني الداخل يحلق في فضاء من اللوز والزعتر والميرمية وبحر حيفا ويكاد يصدق ذلك - ولا زلت أذكر حين لقبني أحد الأشخاص من قطر شقيق عندما كنا نتكاتب انترنتيا بأنني "من حماة الأقصى" ..أنا!!! ..ويجرفني بحر حيفا الى معضلة المكان في النص ومحاذيره حيث لا زلنا نصنف الأماكن أدبيا بصفتها مقدسة أو نجسة فإذا كتبت مثلا عن ومن مركز فلسطين التاريخي بمعنى منطقة يافا-تل أبيب فهنالك تشكيك فوري بوطنيتك والتزامك بالشأن الى أن تثبت العكس..بينما تستطيع ان تكتب حتى الغد عن أحياء الكرمل والهدار وبات جاليم والبحر والجليل وقاعدة السلاح البحري مع أن الكرمل هذا بأحيائه قد لا يقل صهيونية عن تل ابيب وقد تم ضم ما تبقى من أحياء عربية في المدينة بعد العام 1948 الى الكرمل تماما كما ضمت يافا الى تل ابيب ولكن ما العمل إذا كان محمود درويش وأميل حبيبي قد اختارا العيش بمكان عن غيره مما منحه قدسية أدبية لا تفسير لها سوى شعرية الأسم وجمال الطبيعة إذا ما قارناه بأماكن أخرى مثلا وينسحب ذلك على الفرق بين الكتابة عن رام اللة مثلا بصفتها (عالموضة) وبين الكتابة عن قرى الخليل على سبيل المثال. ولكن الضحية عادة ما تخلق لنفسها قوانين صارمة تحافظ من خلالها على وهج اللقب المريح.

الجمعة، 9 أبريل 2010

كلنا نومينيز

في الزمن المستعار أقف ..أو فلنقل في الأوقات المستعارة بين اللحظة الآنية المعطاة التي لا تعترف بماض أو مستقبل ما هو إلا عمر اللحظة وبين ذاك الأوان ..حين تتفجر الحقيقة أشلاءً في وجهي على شكل فراشات أو عطر جديد لدولتشي أند جابانا أو كل هذا مجبولا برمل أسود أو ... سبائك عرق مجمد...أؤجل المهلة أحاول أن أمددها بالقوة ببهلوانيات خارقة تصطدم ببلاط من عظام اليأس.أمدد المهلة "أمطمطها".. أشدها حتى تتشقق شراييني...أمددها إلى النهاية الجسدية الطبيعية إن أمكن..

في الأوقات المستعارة:
1- أذهب لشراء السمك، لا يزال السمك يحمل وصمة عار المركبات الأمينية التي تسكنه وتحلل جماله هي ورائحة أبخرتها ، يلف لي البائع الأسماك-بجريدة عشوائية(بمعنى أنه انتقاها بعشوائية) جريدة بها نص لي...ولعدوي..على...الطرف الآخر من صفحة-إعادة صياغة التاريخ والجغرافيا- تلطخ قشور سمكة وفتات أمعائها وشيئا من الدماء أطراف نصي بينما لا تمس النص الآخر ...تلك هي قوانين ابتياع السمك ...تكتنفها الحسرة من جميع الجهات ...لا يهم، فذاك الزمن ...مستعار ..

2- أعود إلى البيت، تضع القطة أجنة صغيرة لا تتحرك ..أو ميتة هي ربما، تلتهم القطة شيئا احمرا قد يكون مشيمتها أو مخلفات الولادة..أم أنه أحد جرائها. ياي.يا الهي ..رب كنعان.. هذه هي الحقيقة الآن ..وهي لا تستأذنني بصفتي سيد الحيز ..أكاد أتقيأ أو أسقط منهاراً..تنتهي القطة المتوحشة من جريمتها وتتجه إلي لتلتهمني لكنها تقول : أكنت تريدني أن أموت جوعا حيث تتركني في حيزك هذا دون طعام ولأسابيع كثيرة أم اترك ابنتي تتعفن هنا إلى أن تعود حضرتك يا سيد الحيز من شراءك للأسماك والخضار وتلميع زجاج المقود من الدماء الفوضوية.. أحشائي أكثر احتراما من هذا.. لا يهم.. أقول لها ، فذاك الزمن ...مستعار ..

3- أجلس مع ريري في مقهى، كان اختيار المقهى سيئا نقول لبعض، كان علينا ان نختار ركنا يتلاءم مع هيبة مجمع الأحزان هذا الذي يكاد يقصم ظهورنا ، سجلي عندك من رأس الصفحة بنود إطفاء الحرائق .تأتي النادلة الصلعاء بفعل العلاج الكيميائي..سجلي عندك ..قهوة كابوتشينو بجرعات اسبرسو مضاعفة..قهوة فلتر مع حليب ساخن يرافقها ، ماء من الحنفية ( الا يكفي ما أنفقه كل شهر على المياه المعدنية على أشكالها)، مع أنني سأموت وأتذوق قطعة كعك بشيكولاطة ساخنة بلجيكية ولكن الموقف لا يتلاءم ..فسجلي عندك ...يتدافع الأطفال السعداء وأمهاتهن في ليلة العيد بين قدماي ويسكب أحد المارة الصغار المهرولين ماء الحنفية البارد على خصيتي المنكمشتين أصلا..كان الاختيار سيئا، وها هو المهرج بالسيقان المضاعفة عنوة يخترق ممرات المعروضات الزاعقة كلها ويتجه نحو مائدتنا الشقية وقبل أن ينقض علينا... أقف وأصرخ..كفى..قلت أن هذا الوقت مستعار..

4- أرتمي على الكنبة الحمراء، أدثر نفسي بكذبة أكاد أصدقها ، لا يقطر تمثال العذراء الكبير امامي اية زيوت عطرية اصطناعية اليوم.. التهم المكسرات والفول المسلوق مع البقدونس ومئات القطع من كعك العيد...نشاهد أنا وmaman "ستار أكاديمي"... يا ترى من هم النومينيز لهذه الحلقة ..مع أننا لا نملك إعجابا أو تفضيلا مبدئيا لنومينيز بعينهم على غيرهم...وماذا يهم؟ فجميعنا نومينيز في هذا الزمن المستعار..

نيسان 2010

الثلاثاء، 30 مارس 2010

بانتظار متتياهو

1
مرة أخرى أصل قبل الوقت..للمرة المليون في هذا القرن الذي يقطر علامات استفهام عجائبية ...أجلس على بنك يميز تلك المنطقة السعيدة الى درجة لا تطاق من مدينة تل أبيب..ذلك المركز القديم الذي أصبح شمالا مرة أخرى حين هبت ريح البرجوازية عليه فجأة مع بداية تبلور مركز جديد أخذ يزحف الى الجنوب الى تلك "السلطة" الإنسانية حين أقطن..أو هكذا يخيل لي أحيانا..فلا الشمال العائد كان مرة شمالا ولا الجنوب حين أقطن هو بحق المكان الذي أقطن فيه أو حيث يتواجد بيتي...

2
إصل دائما قبل الوقت ، ولا يطالني من هذا سوى ذاك التمشكل مع المكان..بمعنى كل تلك الترهات حول –من أنا؟ وكيف وصلت الى هنا وما هذا المكان وإحداثياته مني .وبلا بلا بلا وكأن مؤخرة الإنسانية ستهتز الآن لتوها لذاك المشهد الخارج من جريمة وصولي الى مكان ما.. كان قائما بشكله المعطى قبل برهة أو سنوات أو قبل ذاك العام النكبوي بكثير..أتوه عن قصد لأمرر الدقائق المستعارة الطويلة..أنظر كل دقيقة وربع بالساعة..الشوارع ضيقة..حميمة بعض الشيء..وهنالك أطفال ولنقل صبية يلهون وسط الشارع بألواحهم المثبتة على عجلات من دون الخوف من أن تدهسهم شاحنة مهرولة أو باص..ليموتوا جميعا..موتا برجوازيا بامتياز..وهل تلطم الأمهات البرجوازيات من أصول آرية على موت أولادهن..أم كيف؟ يعرف هؤلاء الصبية سرا لا أعرفه عن المكان...

3
تماما كما هو الخوف من أن لا تكون الأشياء والأسماء والأماكن في مكانها الواضح المحدد المؤول بدقة متناهية، بدقة هذا الخوف ..بحدته يتواجد هذا المكان بحدوده بين شارع ديزنجوف من الغرب ويهوشواع بن نون من الشرق فلا الشمال شمال بحق ولا الجنوب يعترف بذلك..أجلس على مقعد "بانك" من خشب أرزة سرقت من لبنان.. أنا الرجل الوحيد الذي يتسكع في الساعة السابعة والنصف من دون كلب يبرر وجوده واختياره..أو عدم اختيار ضباط الإس. إس لأبي وأمي كي يقتلا هم واحتمالاتي في ماونتهاوزن مثلا..

4
تماما كما هو الخوف من أن أشعر بالغربة للحظة وتفوح رائحة فضيحتي نواحي أعدائي المنتظرين..ليفتحا دفق ينابيع اللوم ثم يمضون الى مضاجعة كل من اشتهي من منمنمات...أتوجه الى مخزن كبير للمنتجات العضوية التي عادة ما تكون رائحة الضراط الناتجة عن استهلاكها عضوية جدا هي الأخرى..ولنقل ممعنة في عضويتها..أتجول في المتجر..أتقمص دور سيدة الصالونات التي قضت حياتها بين الخلاصات العضوية الطاهرة للأشياء..وتلك التي سقطت بين أذرع منظف خراء الخيول في الإسطبل بين اكوام التبن العضوي ..حينما ناكها يومها دون كلل بأيره العظيم وكأن يوم القيامة يقترب هادرا..وانا اقترب من الصندوق..لا منتجات عضوية لدي سوى ما بدأ يتمركز قرب شرجي منتظرا منافع جميلة بتصميم حداثي حاد لكي يسلمها نفسه العزيزة..أختار كستناء مقشرة محفوظة في أكياس محكمة الإغلاق..أحب الكستناء بكافة أشكالها ..وها أنا التهمها بنسختها العضوية المدينية كعصفور الحقول البعيدة القريبة عند ذاك المقعد بانتظار ماتتياهو..

5
مع أنني سرت ماشيا من البورصة الى هذا المفرق الا انني وصلت قبل الوقت وأفرغت كيسا من الكستناء العضوية في جوفي وبقي كيسا ثانيا.. أفتح سحاب حقيبتي لأدس داخلها الكيس الباقي ..اقفل السحاب بسرعة.. أكاد أمزقه ..لا أريد أن أصادف ورقة ما من تلك الأكوام في الداخل ..ورق الخوف والاوجاع..والقلق..فلأرتبها من جديد القلق والاوجاع والخوف...مما أخاف؟؟على بلاطة كما يقولون! هذا ما اسأله لنفسي قبل دقائق من وصول متتياهو..مما أخاف؟ وكيف سرق مربع يهوشواع بن نون هذا تلك السكينة المجنونة من بين فكي الخوف المحيط..السكينة المسروقة..رجال بكلاب جميلة، نساء يمارسن رياضة العبث، صبية لا يهابون من الشاحنة الهادرة..رجل خرج لإحتساء المكياتو بعد أن خبأ رأس زوجته في ثلاجة ! مما أخاف؟ من احتمال جريمة لا اقدر على منعها..من ذنب جريمة لم أرتكبها بعد! من أن فتاة –آسف ربما امرأة- تجلس الآن في سرير لعنة المصير في مشفى كسب الوقت..ذاك الوقت الذي يجتر نهايته كل مرة من جديد..وهي تعرف أننا نعرف أنها تعرف ..أن لا جدوى...أأخاف من نبرة الأم التي تخجل أن يظهر بين أسطرها ولو حتى إيحاء متواضع وغير ملزم بأنها ستموت من قسوة الوحدة واختفاء ناسها....وأنا جالس التهم الكستناء العضوية المخاطية ..تلك التي لا تفيد بشيء..أأخاف من نظرة عتاب ثاقبة لولد لم يتجاوز الربيعين؟!..
6
أسلم متتياهو الذي تتشكل حدود حياته بين شارع بن يهودا وايفن جفيرول (وهو كالكثيرين من قاطني المدينة لا يعترفون بشارع اليركون المحاذي حيث السفارات والفنادق وكورنيش الشاطيء كونها مناطق السياح وأهل الضواحي والأطراف)أسلم متتياهو اللطيف والدائم الابتسام كتبي التي سيسلمها بدوره لصديق في القاهرة ..وأوصيه الا يتحدث هو ورفاقه العبرية في الأماكن العامة من القاهرة. وخاصة في فضاء سواقي الأجرة الثرثارين..وأحاول ألا أفكر بغرائبية الموقف: كاتب فلسطيني يسلم شاعر إسرائيلي مؤرخ جديد للنكبة كتب ليسلمها لكاتب وناقد مصري في القاهرة قرب محلة يهوشواع بن نون..
متتياهو ودود جدا ..نتفق على وجوب اللقاء الأكثر تكرارا وفاعلية..بت أعرف شخصا حقيقيا-لحم ودم- في مربع الشوارع هذا...
7
ينطلق متتياهو بدراجته كالنسر في الفضاء الأسود..أمشي بشارع ديزنجوف نحو الجنوب ، أشعر بسعادة لا مبرر لها..سعادة غبية ولكنها ماثلة لا يمكن تبديل وقعها ، لم يحدث ما يستدعي ذلك ولم نستعر أنا ومتتياهو حيزا معتما بين الشجيرات البولونية لتبادل شهوة الإنتلكت. أمشي...رائحة الأشجار في هذا الوقت من السنة تذكر برائحة المني المنفلت لتوه...أصعد باص 18..ماذا لو أن هذه المرأة المؤكسدة الشعر نامت مع ثلاثين زبون قبل أن تصعد. وماذا لو ان الشاب المتأنق ابن العشرين هذا مارس الجنس لأول مرة بجيل التاسعة برضاه أو عنوة .ماذا لو فجر أحدهم نفسه في هذا الصهريج المكتنز اللحم..ماذا لو أقتربت ساعة الأربعين وكل من حولي لم يبلغوا الثلاثين بعد وأنا ماض بإحتساب ناتج الفرق..ماذا لو التقطت فيروسا سمجا من هذه الحافلة المكتظة الآن..ماذا ها..ماذا؟؟ الهدف الأن: أن أخسر المزيد من الشحوم حول بطني..
تدندن فتاة يافوية تجلس بجانبي: خدني معك على درب بعيدة..مطرح ما كنا ولاد زغار..


آذار 2010

الثلاثاء، 9 مارس 2010

في الوقت المسروق

1
لا شك انها بداية الفصل الأخير. ذلك الوقت المسروق.هذا ما أقوله لنفسي. لا أجرؤ أن أقول هذه الكلمات لغيري.غيري ممن هم خارج النص. هكذا يشعر المرء عندما يخط الفصل الأخير من كتاب. أنها تلك الغصة الشجية وانت تخترق عباب أماكن الطفولة والغلمانية .. غلمانية : هي كلمة اخترعتها لتوي ولتنتحر إدارات مجامع اللغة العربية جماعيا من ناحيتي. غلمانية -هي عندما تشعر بعد فشلك الرنان ان تصبح صبيا يستوفي كافة معايير وشروط المجتمع الصبياني القاسي والفاشي.. أنك شيء آخر . عليك أن تحافظ عليه .ويجب أن تقاتل بشراسة على أن تكون ذلك الشيء غير المعرف.بمعنى أن تدفع ثمن حريتك بدقة متناهية. وأن تصبح على استعداد لمواجهة كل شيء.كل شيء. كي لا تصبح شبحا قنوعا كغيرك. ثمن ما حتى النخاع. حتى الوريد. حتى الموت.يا إلهي..ما هذا النص الملتبس...قد تكون الحقيقة أسهل من هذا.. يا غلام...
2
قد تكون الحقيقة أسهل من هذا.. يا غلام...ولكن أثر الوقت المسروق. المقتطع. الضائع. لا زال يلازمني . أمشي وزمن ليس من حقي يركب على أكتافي. يلعق ظلال السواد تحت عيوني. أقل أمي الى حي المطران المطل على ..الطريق الى هناك. الى الجنوب..جنين. القدس. المطار .الأردن .تل ابيب. ..أدخل الى الحي رجلا آخرا ليس ككل مرة . أحاول ان ارقب ذاك الصبي اللاهي برمال تشييد الشارع وهو يسألها تلك الرمال. هل سيتغير شيء؟ . هل ستبقى الحياة هكذا. أم انها قد تقترب من حكاية "حمى ليلة السبت" الذي شاهدته خلسة في السبوع الماضي في سينما الناصرة. وها أن آدميا آخرا يدخل بعربته إلى حقل ألغام. لا ترحم به سخرية السنين أحد. آدميا يكاد يختنق من كم الأسرار الذي يحمل. حتى أصبح الخارج عبارة عن صيغة سينوغرافية لا تتفاعل حتى مع خطاياها . بينما الداخل مستودع للأسرار . مستودع إختياري ضاق بما فيه .أعبر شوارع بريئة من مخططاتي القديمة . أعود الى منطقة ديانا عبر العمارة . تحمل هذه الطريق على الأقل ملامح كوسموبوليتية قد ترحمني من كرسي الإعتراف . المداهم . المزعج. اللحوح . هذا ..نص ملتبس..ومع ذلك فقد تكون الحقيقة..أعطر مما تظن..يا رجل..



3
ومع ذلك فقد تكون الحقيقة..أعطر مما تظن..يا رجل..يا مجمع الأسرار المجوسية. في ديانا والنمساوي والعين في تلك الطريق من المدرسة المعمدانية عبر الكراج الى البيت ..في يوم خماسيني وسط أذار ..رائحة كعك العيد المتمازجة مع رائحة نوار كل شيء واللوز الطري بالملح . وجدتي ماري التي تنهر علي كي لا أفرط بتناول اللوز حتى لا ينفجر بطني وتتطاير أحشائي المخلوطة بأذكى دنيا..ثم تجبرني على شرب الحليب وهي تعرف أنني أكرهه وأنني سأسكبه في حوض القرنفل وأعبئ معدتي باللوز والفواكة الربيعية غير الناضجة والتي تنزف حامضا وملحا ..لقد إخترت الحامض والملح ومخاطر المغص والإنفجارات المعوية وفضلته على الحليب وفوائده المطلقة ...وتلك الأغشية الكريهة التي تطفوا بوقاحة على سطح السائل الأبيض العذب.لم اشرب حليبا بعدها في حياتي.لقد اخترت الوجع إذا..وها انا محمل بالأسرار. اتردد على ذات الأماكن التي لفظتني. بإختياري. وأنا مستودع متنقل من الأسرار. يتحرك بتثاقل في ذاك الوقت المسروق من الفصل الأخير . في ذات الوقت المسروق. وفي ذات الوقت المسروق أوصل أمي الى المغارة. حيث تبشرت العذراء بأنها عذراء. وسكنت البراءة بين شقوق الجدران المتآكلة منذ ذلك الوقت. تصلي أمي . ثم تعود الى البيت. نجلس أمام التلفاز . نمضغ الخبز والزيت واللبنة وقطع الأفوكادو غير الناضجة. أوجه نظري نحو اليمين متمردا على سحر الليل.وأكاد أقول لها. أين جميع هؤلاء. لقد تبقينا لوحدنا في هذا البيت الكبير .أنا وأنت ..آه والقطط. كيف حدث هذا وأين أخطأنا. إن نصك ملتبس . والحقيقة مغايرة إذا ما امتحناها من جميع الزوايا..يا ولد..هيا نصلي..

4
والحقيقة مغايرة إذا ما امتحناها من جميع الزوايا..يا ولدي..يقف ولدي . ينتظر من وراء القضبان الخضراء..تتجمع حواسه ثم تلتف حول تلك الأحصنة الدائرة فوق نفسها..توقفي ايتها الحيوانات الجميلة ..توقفي..نصعد الكاروسيلا ، أجلسه على اجمل حصان في العالم وأمسكه كالحقيقة من جميع الزوايا ..ستتغير حياة ابني بعد قليل.. تتحرك الكاروسيلا..تنطلق موسيقى عذبة تميل الى الحزن..(لماذا ترتبط لعبة الكاروسيلا دائما بدراماتيكية المواقف)..يدور الدولاب الأفقي بحركة بطيئة ، تهبط على اكتافي أطنان الحيرة، وانظمة الوقت المسروق، وكل ما أعرف من أسرار ..وأعرف..يصرخ مخرج سينمائي من بعيد..من خلف الأسلاك.. ..كاميرا 2. ممتاز.تمسكوا بالحقيقة المتاحة..تمسكوا بشدة ..تمسكوا أكثر..يا أحبائي...

اذار2010

الثلاثاء، 9 فبراير 2010

ملاحظات قاهرية عن المعرض والمعروض وما بينهما

- أسباب معلنة وأخرى خفية
ثمة أسباب معلنة لزيارة معرض القاهرة للكتاب بمعدل مرة كل عامين تتمثل بشراء الكتب ،والإطلاع على احدث إصدارات العالم العربي من عناوين وكذلك حضور الندوات ولقاء الزملاء من الكتاب والصحفيين والنقاد ، والتثاقف والتلاقح الفكري ( وأحيانا غير الفكري) وزط الحكي وزط المزيد من الحكي والإصابة بالتخمة السامة من زط الحكي والتنظير المزدوج، ونسج البكائيات والعويل الجماعي للمثقف العربي، وهنالك دوافع خفية تتعلق بعقد هذا الحدث الهام والكثيف في أكثر مدن الشرق سحرا وصخبا ...أسباب خفية..لن أكشفها...

- من التقى بمن-سندروم المقهى الثقافي
تدخل المقهى الثقافي الشهير في المعرض فتجد ان جزءً كبيرا من جالسيه هم من شعار واشباه شعار الداخل (48) حيث يتصومع هؤلاء معظم النهار في المقهى علّ أحدا يكتشفهم أو يدعوهم الى مقابلة صحفية ، يفتح أمامهم ابوابا لم تفلح شح موهبتهم على فتحها ، لا تجد هؤلاء في أروقة المعرض أو ندواتها القيم منها وغير القيم ، بل يجلسون طوال النهار ينتظرون وينتظرون ..أي حاجة في أي حتة..يتبادلون ارقام الهواتف والإيميلات ويوزعون كتبهم التي تزعق من ثقل ركاكتها ، ويشعرونك وانت الداخل الى المقهى انك في حفل زفاف وانهم ام العريس أو اباه ..ثم تبدأ وصلة المباهاة الطفولية ...بالأمس قال لي علاء الأسواني.. واليوم لدينا سهرة مع عبد المعطي حجازي ..وبعد الغد سأظهر في قناة النيل الثقافية وبعدها سأتعشى مع جمال الغيطاني ...أنا والأخوة (الذين لا تفقه في حياتك من هم)...إذا ففي ليل المعرض عليك ان تحجز مقعدك في أحد مقاه وسط البلد الثقافية مع شخصية هامة ..يمكنك التباهي برنة أسمها ...أما أنا فقد فضلت أن أسهر بصحبة الكبير يوسف إدريس ..في الآخرة..

- كتّاب الموز
في المقهى الثقافي، يتحلق بعض الكتاب حول مائدة ، يسبون مبارك وجمال وعلاء والأيام السودا والغلاء والبرد وزحمة المعرض وسوء تنظيمه (بإعتقادي أن المعرض منظم جدا نسبة لسنوات سابقة) وجشع الناشرين ، يتبادلون الكتب التي لن يقرأها أحد... يفتح أحدهم كيسا ، يخرج منه عنقودا من الموز ..يوزع قرون الموز على الجالسين ، يقشرونها سوية ..ويتناولونها بتناغم مذهل ...هي وما تبقى من شاي في هذا الجانب من الكون...

- أحاسيس
ما حكاية أفلام العري هذا الشتاء ...هذا ما سألته لفهد في سيارة الأجرة ..وما العلاقة بين ما يعرض من أفلام جريئة وشبه عارية هذا الموسم (أحاسيس، كلمني شكرا، بالألوان الطبيعية ، رسائل البحر وغيرها..) وبين كون أكثر من %80 من النساء في الشارع محجبات أو منقبات...ما العلاقة ...لا أفهم ..من يفسر لي... أكاد أجن! ولماذا لا نكاد نجد تذكرة لفيلم "أحاسيس" اكثر الأفلام المذكورة فضائحية...ندخل "أحاسيس" أخيرا ..محجبات ومنقبات الشارع يتزاحمن على باب دار العرض..يملأن القاعة...يبدأ الفيلم ..تخرج علا غانم من البحر في مايوه بكيني فاضح ومستورد ..أدخل في غيبوبة سينمائية لا تصدق...قصة ركيكة ، مضحكة وعبثية نساء يظهرن انصاف نهودهن بسبب وبدون سبب ، رجال يضاجعون نساء من وراء سراويل البوكسر ومن دون انتصاب أو إيحاء بذلك ..جميع أبطال الفيلم يبلغون ذروتهم تحت الدوش وهم يبكون أسفا على ما لم ولن يفهمه الجمهور الحاضر أبدا..بيوت فخمة الى درجة البذاءة. إغراء مفتعل لأشباه ممثلين لا يغرون حقا.أغاني كاملة تقسم ظهر السيناريو المهلهل أصلا .سينما تفحص أخلاقيا حدود احتمال المجتمع ..لإستهبالها له وبالعكس...أو ربما ذاك الجدل الزاعق بين "التحرر" و"التدين"...

- رسائل البحر
ما حكاية أفلام العري هذا الشتاء ...هذا ما سألته لفهد في سيارة الأجرة, لكن القصيدة السينمائية الجديدة "رسائل البحر" لداوود عبد السيد كانت تستحق كل هذا الإنتظار منذ "مواطن ومخبر وحرامي" في العام 2001.

- جيل جديد - بوهيميا قديمة
باستطاعتك ان تميز بحدة بين المثقف (الكاتب) المصري والعربي عامة من الجيل الخمسيني أو الستيني وبين الجيل الشاب فالكتاب المعتقين لا زالوا يحتفظون بمعظمهم بشكل كاريكاتيري يتمثل بالشعر المنكوش أو قبعة البيريه والملامح الدراماتيكية المعذبة والسجائر الرخيصة التي لا تفارق الشفتين ..هذا إضافة الى المعطف القديم الأسود الذي قضى العث على نصفه الداخلي ..والإنهيار الفظيع والكربلائي أمام الخمر ومشتقاته وأيامه ولياليه وعذاباته في أرصفة المدن..صعلكة صعبة وعذابات حتمية غير مبررة أحيانا ..وعلاقة إشكالية مع كل ما يتعلق بمفهوم "الحرية" وتأويلاتها...بينما تلاحظ أن الجيل الشاب من الكتاب والمثقفين لا يؤمنون بشكل عام بطرح هويتهم الثقافية بهذا الشكل الإستعراضي السبعيني(نسبة الى سنوات السبعينمن القرن الماضي)..بل تجدهم يلبسون ويتصرفون بتوازن أكبر وبتشنج ظاهري معذب أقل وكأنهم يدخرون التشنج لأمور عملية أهم (أو ربما لا)..آه ..ولن ننسى الكوفية...

- بين الشامي والمصري
برز في هذه السنة الاستياء العام لدى الناشرين "الشوام" – من لبنان، سوريا والأردن من حجم المبيعات مقابل الحراك الكبير والرضا الواضح في الأجنحة المصرية والحديثة منها خاصة ...ويرجع ذلك الى سببين بارزين يجمع عليها الكل وهي ارتفاع أسعار الكتب "الشامية" مقارنة بمثيلاتها المصرية على الرغم من التحسن الواضح في جودة الكتاب المصري ، إضافة الى قلة العناوين الجديدة في دور النشر "الشامية" فبصعوبة يمكنك استخراج عناوين جديدة بعدد أصابع اليد الواحدة وأقل من كل دار نشر شامية. ولكن الأهم من كل ذلك وحسب إعتقادي هو تمسك دور النشر اللبنانية والأردنية بالذات بكاتبين أو أكثر بقليل دون أي محاولة للمجازفة بما هو جديد وشاب وجريء ، فدور النشر النخبوية هذه والتي تدعي لنفسها التحرر والإستقلالية لا تقدم لنا أي أسم شاب مع رؤية جديدة وصادمة مجتمعيا بل على العكس فهي تكرر نفسها بمنهجية وكل مرة من جديد وبعنجهية عجيبة! على عكس دور النشر المصرية كالشروق وميريت والعين وغيرها والتي تطلق كل عام المزيد والمزيد من الأسماء الشابة والتجارب الجريئة الواعدة! بل وترافقهم اولا بأول في جني نجاحاتهم.

- مروان مخول
الشاعر الرائع النزق والمتسائل ، شكرا على تحملك كل هذا ، اشتقت لقعدتنا في كوفي بينز آند تي ليف الزمالك في الصباحات المركبة ، دون ان نبحث عن بعض...

- عيش الفيلم
أجمل ما في القاهرة (عاصمة الأفلام) ان تقرر ان تعيش حبكة فيلم فيها ..حبكة غير متكاملة بالضرورة. حوارات غير مضبوطة ومنطقية ومتوازنة حتى النهاية ....دراما مفتعلة تلو الأخرى...كلام حب لا تقصد دائما معناه ...بكائيات على أطلال لوقائع وأمكنة لم تكن أصلا...العيش بين كلمات اغنية لأم كلثوم او في فيلم لمحمود ياسين ونجلاء فتحي..ما أجمل القاهرة في هكذا سيناريو واع لذاته ..وما أجملها حين تكون على إدراك انك تمثل فيلما رومانسيا تدور احداثة المتوقعة جدا بين الزمالك ووسط البلد ومدينة نصر.

الأربعاء، 27 يناير 2010

الحب في زمن H1N1

- حتى عندما تتكلم هنالك صمت في كلماتك..
يا للصفعة ، الى هذه الدرجة باتت كلماتي مجبولة بالقلق والذعر ..بالخوف؟ تمضي في الشارع معتقدا أنك تنشر الثقة واليقين والطمأنينة على من هم حولك وعلى من ينبش بحاوية الزبالة في طريق سلمة ويبحث فيها عن حطام أيامه ... وعلى من يجلس قبالتك في المقهى وهو يرقبك يائسا وكأنه يقول...لا أفهم...لا أفهمك ولن أفهم ما ستقوله الآن...
ويكمل...
- ولكنك تتحول فجأة الى بعيد..بعيد جدا..بعد قاتل ذاك...يا لجبروتك هذا..
- كيف تراني من بعد كهذا؟
- لا أراك ..أكتفي بالفكرة ..وبشكل عيون كنت قد ادخرتها ببطء وعلى مهل في ذاكرتي المشوهة ضمنا ...
- آه عيوني..عيوني الخائرة تلك، إذا دمجتها مع أثر شعري الكث، المنكوش والعصي على التسريح فالنتيجة قاتلة وصعبة للغاية...

- لكنك..

- لحظة ، هذا غير شعوري العام بالوهن وبأنني مقبل على الإصابة بالحمى المميتة...

- مرة أخرى..ولكنك قلت لي ذلك بالأمس وقبل ثلاثة ايام وقبل أسبوع وقبل شهر..لم أعد أفهمك ولن أفهم ما ستقوله الآن..

- أنظر حولك..أنظر ..الحمى تملأ البلاد ، يتقيأ الناس في الشارع ...تسد مخلفات الإسهال إسفلت الزقاقات ، تمتليء الطرقات بجثث الكلاب التي نهشتها الفيروسات ...لم أعد أقوى على تحمل أنفاس البشر أمامي ..لم أعد..يا الهي .صرت اخاف ان أقيس حرارتي .الا ترى كيف اتعرق بجنون ..

- ولكنك بعيد، ولا تنصت وتخاف ان يلامسوك ..كل هذا مجازيا أيضا...

- وماذا عن الفيروسات التي تحاصرنا، ألا تشتم رائحة القمامة، رائحة الفيروسات المحتفلة بنصرها المجلجل على البشرية ...

"الصمت الساكن في كلماتي..وذلك الجسد الآخذ بالذبول والتساقط قطعة تلو الأخرى وها أنا أتساقط معه بعذوبة ..ما أرق الطريق الى الموت ...كل ذاك النقاء" (من أقوال دراما كوين)....

- لا علاقة بين كل ذلك وبين كونك بارد وبعيد وتسمع ما يقال لك وتعالجه في دماغك بطريقة عجيبة ثم تأتي ردة الفعل على الجملة...اي جملة...كل جملة ...بشكل انتقائي مصطنع وعام جدا ولا يتناسب بتاتا ولا يلاءم الجملة الابتدائية ، أو الموضوع ...أو حتى تكتكة الألغام في الكلمات ...أبحث في عينيك أبحث وأبحث ولا أجد سوى غابة من ال...العبث...أوووف
- -للب.......
- لحظة!! أكاد أجن ...
- إنتظر قليلا..لدي قشعريرة ..يبدو أن ذاك الأمر يقترب...
- يبدو ان لدي بندقية

أمضى مع الفيروسات الفتاكة ، لم اعد استطيع تجاهلها ، أحيا معها ، أتنفسها ..أصلا تجاهلها يعتبر مهزلة غير مسؤولة..بالأمس انتابني صداع فتاك وحرارة خفيفة حاولت تجاوز ال37 والنصف ثم ندمت ، تعرقت كالفقماء طوال الليل وقبل ذلك بأسبوع لم انم من الم الحلق الذي أصبح كذبة خلال ساعتين، لقد غاب ألم الحلق وتبقيت مع أثار الأرق طوال 24 ساعة ..فلم استيقظ بعدها بيومين ..لم أقم من الفراش ووصلت الى العمل منبوش الرأس غير حليق وكما نقول بالشوارعية الفلسطينية "زي الغولة اللي ماكلة ولادها" فشربت قهوة حلمت بها كل الطريق في الحافلة المحشوة بالفيروسات والشبق الأفريقي والروسيات الأرقات الحائرات ..ثم تناولت سيجارة أولى لم أكف من وقتها عن السعال ..وها أنا أشعر بقشعريرة من جديد.. زكام، سعال، تعرق، قشعريرة، غثيان، نعاس، أرق، صداع نابع عن أرق، صداع نابع عن احتباس ، صداع ينفلت من مسألة، عيون غائرة، عيون منتفخة، عيون كانت فاجرة ،...عيون ذابلة في زمن الفيروسات الحزينة..

حتى عندما تتكلم هنالك رغبة بين شفتي..شفتي التي لم يرطبها لعاب غريب منذ دهر ..ولكنني أمضي بين الأسلاك الشائكة للمسألة! لتلك الحسابات الصغيرة ، الخائفة، القلقة الهلعة ..حسابات الوسطيين
ماذا لو؟؟ماذا سيحدث لو ترطبت شفتي بلعاب يحمل...
ماذا سيحدث لو تعمد جسدي بلعاب يحمل ما يحمل من حب و...
ماذا لو؟

-لا شيء، لا شيء يحدث اصلا كي يتغير ويصبح شيئا جديدا !

يناير 2010

الخميس، 7 يناير 2010

شبق.كوم

الأيام الأولى من السنة ...أشعر بشبق غريب وعميق ...نحو كل ما يمر بقربي ومن ناحيتي...
شبق قاهر وأصيل لا يمكن وصفه بشيء ولن تحلله أي جلسة استمناء الى عوامله ولا حتى الى أشلائه ...ولكنها (بربك) ، الأيام الأولى من العام والعقد ..وختام العقد ال(..) من حياتك...بربك...
شبق إذا...شبق عميق نقي مقطر بعناية...أنا...
شبق جنسي حيواني عنيف...لا هو شبق للحياة، أو الحب، او العطاء أو الانتظار ولا هو شبق للتطور المهني أو الاجتماعي او الشخصي، إنه شبق للجسد..كل جسد يمر الآن يتحول في رأسي الى مستودع هام لسوائل الشهوة وعسلها وحليبها ...وبما اننا في بلاد الحليب والعسل..فإنها تستخرج في حالات الشبق فقط من الأجساد المعشوقة الملتهمة المشتهاة التي لا تحمل وجوها ولا لغات ولا إحداثيات اولية..لا وجود للأماكن عند الشبق ولا للتوقيت معنى ولا يختلف رأس السنة عن مؤخرتها ولا عن عانتها ...وما احداثيات هذا البلد سوى التقاء سائلين : حليب كدلالة على (x) وعسل كدلالة على (y) وعلى كل واحد ان يشكل الإحداثية الثالثة ((zعلى هواه ...z بالنسبة لي اليوم هو بعد معجون بالفجور والعهر والجنون ...أما بالنسبة للرجل الإسرائيلي الهرم الذي يجلس بجانبي في سيارة الأجرة المتجهة من شمال شرق تل ابيب الى أعماق البحر في جنوب غرب يافا فإن البعد الثالث ((z..هو وهم لنقل ..أو ربما كذبة كبيرة وتاريخية أصبحت نكته ولكنها أحيانا تلامس الحقيقة وتندم...
يقول...
" أحسدك على كونك تبدع، تكتب وتفكر وتتواصل بالعربية مع المحيط العربي الطبيعي لهذا الشرق، أشعر أنني مخلوق إفتراضي ...وأن كل هذا الوجود وهمي...(الغريب أنني كثيرا ما اشعر انا أيضا أن هذه البقعة هي مكان غير واقعي ولا يتواجد بالحقيقة)..وان هذه المدينة من اولها الى آخرها وهمية وهي كذبة كبيرة وأنك بمجرد مغادرتها بالطائرة فإنها تتلاشى وتتفتت وتحل محلها المدينة الطبيعية التي من المفروض ان تتواجد وفقا للمنطق الأخلاقي للأمور..وهكذا، فعندما تقترب منها بالطائرة ايضا فهي تتنبه لقرب هبوطك وتتشكل وتتكثف وتتكوم بسرعة خوفا منك ومن وجودك الإفتراضي...هي الأخرى مدينة افتراضية ..لا تتواجد الا عبر صفحات الفيسبوك وسيناريوهات الأفلام المصرية التي تدور حول الجاسوسية ، أحسدك على كونك تبدع..."...
أصمت ثم اتمتم...
هذا لا يعنيني بشيء الآن ولا أفهم ما تقول ...لا أفهم شيئا مما تقول.حتى مؤخرة جدتي لن تهتز مما قلت الآن..أنا شبق..بي شبق مقطر عظيم...ولدي استعداد أن أماجن كافة قيادات الأركان المجيشة خاصتكم، سويا وفردا تلو الآخر... بإستلقاءً ووقوفا وبالمقلوب ومن بين الأطراف المترامية للرغبة..
***
تصلني رسالة يبدو ان من أرسلها، ينسخ صيغتها ذاتها كل سنة ، لضيق الوقت! او لضيق الأفق..أو لتحجر الرؤية عند حدود سنة معينة انهكها الإبتذال ومص دمائها...1993 ربما! "أتمنى للجميع سنة جديدة مليئة بالصحة والسعادة وتحقيق الأحلام، وأن يعم السلام في بلادنا الحبيبة وأن تقام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الى جانب دولة إسرائيل وأن..."
يحرق لهيب شبقي ونار جسدي الكلمات ..مبقيا على الصراع الإسرا– فلسطيني الى الأبد...تحرق ناري احتمالات الدولتين والدولة العلمانية الواحدة..والدويلات الكونفدرالية، وكيانات الأبرتهايد ، وأرض الزيتون واللوز الخارج عن موسمه...والبرتقال الخالي من السكر بسبب شح الفراش...
ما احداثيات هذا البلد سوى التقاء سائلين : حليب كدلالة على (x) وعسل كدلالة على (y) وعلى كل واحد ان يشكل الإحداثية الثالثة ((zعلى هواه ...أما الإحداثية الثالثة(z) لصاحب/ة الرسالة فهي غيوم مشبعة بالمرارة والديدان...
***
تداهمني في عز شبقي المنزوع رسالة عبر كتاب الوجوه...بالأحرى هي ليست رسالة بل فلنقل –تعديل حالة؟ تعديل مرسل لكل العالم وكأنه سينتفض حزنا..."كل سنة والجميع بخير وانشاللة يا رب السنة الجاي متل هلأ بقضي العيد بفلسطين وبين اهلي بالمجدل"...
يا للحب الفلسطيني المبتذل هذا...لن أجد ما يمليء هاوية الشبق الفاغرة هذه بقدر ما لن تعود يا رفيقي الى قريتك الممحية..لا توجد قرية كهذه وحتى إن وجدت بعض الأحجار الباقية ..فهذا لا يقول شيئا لأن لا حانة في هذه الحجارة ولا حتى مقهى ولا رصيف تغتسل فيه حبيبتك بالعسل العكر...لا يوجد شيء يا عزيزي... لا يوجد شيء.ولا أهل هناك.. بل انه بحجم شبق روحي وخذلانها المترتب عن العدم ستضاف طبقة جديدة من غياب قريتك..ولن يحدث شيء بعد اليوم بعام ..لن يحدث شيء..
بي شبق عميق نقي مقطر بعناية... وما احداثيات هذا البلد سوى التقاء سائلين..أما احداثيتك الثالثة يا رفيق وأعني z فهي قطعة سماء مرصعة بالنوار القديم المسحور ..المجبول بشبق الوجود الطري...
آسف...

كانون2- يناير 2010