الخميس، 17 يونيو 2010

متروبولين الماضي

ماذا أصاب الناس ؟ ولماذا يتذكر الجميع بهذه الكثافة والآن بالذات أسماء القرى التي ابتلعها متروبولين تل أبيب ...قلب إسرائيل الثقافي والإقتصادي النابض؟
ففي يوم الأحد حيث أشرف على ورشة كتابة إبداعية في يافا...يداهمني التلاميذ بنصوص تستحضر البلدات والنواحي التي كانت تحيط بيافا (دون ان أطلب من أحد هذا)...هكذا ومن دون سابق تحضير وفي لقاء كان من المفترض أن نتحدث فيه عن الفظاظة وتوظيفاتها الأدبية ومن ثم عن الحوارات وقيمتها الجمالية في النص ...تحولنا فجأة ومن خلال نص مداهم الى الحديث عن "جماسين الغربية" و "جماسين الشرقية" من خلال تلميذ مشارك في الورشة توقف عن القراءة وأخذ يشرح لنا عن جده المنحدر من جماسين التي يحل محلها الأن حي برجوازي مسالم يلامس صخب المدينة ولكنه يتنكر له وهو حي "بابلي" الذي يسمى ايضا حي النساء المطلقات , نسبة للعنة الطلاق التي تحل بكل من تسكن هناك ...هذه جماسين الغربية الأقرب الى البحر..أما جماسين الشرقية فهي ووفق ما آل اليه حوار الورشة الإبداعية من صراع حول دقة المعلومات ومن يملكها ..فهي تقع فيما يعرف الأن ببورصة المجوهرات في رمات جان وهي منطقة تعج بالرجال الأغنياء بملامح حادة جدا وقاسية ونساء قليلات تعملن بين السكرتارية والدعارة على أشكالها ...إذا بت أعرف عن جماسين ...أما جدة تلميذي (الذي يعمل في الليل كعارض دراج كوين في إحدى حانات تل أبيب المحترمة) فهي من المنشية ومن إحداثية متناهية الدقة...وهي بالتالي (أي الجدة) كانت تعتبر نفسها أكثر برجوازية ومدينية من زوجها بسبب تحول بلدتها الى حي شمالي من مدينة يافا مما نزع عنها لعنة الريفية...قضمت أحياء تل أبيب الجنوبية حي المنشية الذي تحول تجمعات إنسانية بتلون لا تصدق عبثيته...يقول لي أحد الطلاب: لو بقيت المنشية لكانت الأن جوهرة شرق المتوسط (يعمل هذا التلميذ في مركز لإغاثة المراهقين الذين يعملون بالدعارة).
وفي يوم الإثنين أجلس مع صديقة في مقهى على طريق سلمة أو شلومو لنتناقش فجأة حول تداعيات الأسم وهل بالفعل إذا قطعنا الطريق التي تبتر المدينة من الغرب الى الشرق فإننا سنصل قرية سلمة الماثلة آثارها حتى يومنا هذا ضمن حي مهلهل يسمى كفار شاليم...إذا فلنكمل الطريق حتى أقصاه لنرى إن بلغنا أطلال القرية أو لا...
في يوم الثلاثاء أقصد مكتبة جامعة تل أبيب فأصادف زميلا "تقدميا" من أولئك الذين يبذلون جهدا فظيعا لإثبات شرعية اللقب، يؤشر لي الرجل نحو بيت شكله غريب ولا ينتمي للطراز المعماري الرتيب الذي يميز أغنى احياء البلد –حي رمات أفيف...هل ترى؟ أتعرف ما هذا ؟ إنه من أثار بلدة الشيخ مؤنس...
اتلقى في يوم الأربعاء هاتفا من صديق عالق في أزمة سير على مشارف تل ابيب الشمالية الشرقية وتحديدا قرب مدينة بيتاح تكفا – ويقولها لي بتهكم منمق : قرب قرية ملبّس(يعمل هذا الصديق اخصائيا نفسيا في قسم سرطان الأطفال في إحدى المستشفيات...
في يوم الخميس يتم اكتشاف جثة متحللة في بنايتي ليجري نقلها الى مشرحة "ابو كبير" المقامة على أراضي قرية أبو كبير :هذا ما يقوله لي جاري الذي لم أكلمه في حياتي...قد يكون هو القاتل ..ويحاول الإختباء من وراء الاعيب التاريخ... ومكر الماضي...
أما في يوم الجمعة ..فتهبط على كتفي فراشة هاربة من يازور..
أتأمل في يوم السبت الخارطة من جديد وكأن شيئا سيتغير ويفوتني في لحظات أغمض فيها عيني