الخميس، 22 أبريل 2010

خيانات مشروعة-هواجس كتابية في ذكرى النكبة

ثمة أمور قد يستشعرها الكاتب عن بعد وقد تكون غير واضحة أو غير موجهة له بشكل مباشر وحاسم ، كمنع أو امتناع "دبلوماسي " مثلا عن نشر نص أو مقالة له لأسباب أخلاقية أو إيديولوجية أو دينية أو كلها مجتمعة ...وهذا ما حدث معي مع نص بعنوان " بإنتظار ماتتياهو" حيث امتنعت ذاتيا عن نشره محليا (وما هو مفهوم المحلية بالإنترنت؟؟) بعد ان كان سيخضع لحذوفات وتشويهات ،تنازلت عن شرفها بالنهاية بينما نشر النص كما هو في موقع مصري جميل هو " الكتابة الجديدة" دون أن يحذف منه حرفا واحدا ...ويقودني أسم هذا الموقع الى موضوعة "الكتابة الفلسطينية الجديدة" التي تواجه تحديات وجودية صعبة معظمها داخلية ...فعلى الرغم من محاولات فردية للفلتان من القالب والثقل السياسي والكتابة بالتالي بدافع فني ينبثق من مشاعر حقيقية وتفاصيل يومية غير معروفة تعكس الواقع الشائك على الأرض إلا إننا وللأسف ما زلنا أسرى ما هو "متوقع" عربيا من كاتب يعيش في فلسطين على أقسامها وهكذا تتعاظم المصاعب الكتابية وتتفاقم..فإضافة الى المحاذير الكتابية "الأخلاقية" التي يفرضها مجتمع ماض بعزم نحو السلفية والتدين المزيف مما يصعّب من عملية الكتابة ذات الطابع الجنسي والإيروسي والكتابة التي تحوي الفاظا حقيقية تستخدم كل ثانية الا أنها تندرج تحت فئة الألفاظ النابية أدبيا مع أنها سليمة لغويا واستخدمت في الماضي العربي الأغنى ...فإن الرقابة غير المعلنة حول الفحوى والتناول النصي هي الأخطر برأيي (أو انني بت لا أعرف ما هو الأخطر من ماذا ) فككاتب يعيش داخل فلسطين وخاصة في المناطق المحتلة عام 48 لديك شعور دائم بأنه يتوجب عليك التماهي مع مأساة اللاجيء وخاصة من هو في عمرك والذي ولد في المنفى ولم يرى فلسطين في حياته الى درجة إلغاء الواقع المفروض على الأرض ..تماهي يصل الى درجة تجعلك تتقمص المتخيل في رأسه وتصف البلاد كما كان هو سيصفها أو سيتعاطى مع أبجدياتها.بمعنى أن تسمعه بالضبط ما يود سماعه..تدخل هذه المعضلة الكاتب في متاهة فكرية تجعله يكذب كذبة ويصدقها ..وهذا ما حاولت وحاول غيري للإنصاف تحطيمه في نصوص على شاكلة "بإنتظار ماتتياهو" ولكن كيف تجرؤ على وصف حي في شمال تل أبيب بشاعرية تفوح منها رائحة تواطؤ ...هذا ما كاد يقوله لي أحد المعلقين على النص...فوفق هذا المفهوم ووفق دوامة المتوقع من النص المكتوب فعلي بدل أن أكتب عن ملامح حياتي الصغيرة على الأرض وأصدائها الوطنية ..من حب، ومرض، وخيبة واحتياج وشهوة وحيرة وترقب وانتظار وملل وشوق وفقدان وموت وحياة جديدة وأشياء صغيرة أخرى . كزحمة السير على مشارف المدن أو جرائم القتل العبثية في الصحف ...أشياء.يومية وبحق صغيرة ولكنها عظيمة بالنسبة لي ..لأنها عني ..ولأن هذا هو أنا ..ولأنني بالصدفة أعيش (أو أحاول أن أعيش) ما أنا .. يتوجب علي وفق ثقافة القالب أن أتغنى ببحر حيفا(الحربي بمعظمة) وكرملها (الإستيطاني بإمتياز) وبيارات يافا (غير الموجودة) وكأنني أسرح وأمرح فيها ليل نهار وكل ذلك بلغة مهذبة لا تتجاوز حدود وضعها أشخاص مصابون بالهلع والإنغلاق القومي المرضي.. نص يخلو من أي سخرية من الذات أو سخرية مطلقة أو تشكيك بالمسلّمات المعطوبة أو نقاشها أو حتى محاولة تناول تاريخنا ونكبتنا مثلا من زاوية أخرى قد تثير تساؤلات...إن عدم تحرير اللغة وتوسيع قماشتها هو بالضبط كعدم تحرير الكلمة من ضوابطها وحبسها ويصب كل ذلك في عدم تحرير الفكر الكتابي (إن وجد) من مخاوفه الأعمق والمستوحاة من المحيط عادة..فلذلك نجد أن الاستمناء الفكري والشعوري الرومانسي المتبادل بين الفلسطينيين والعرب وكتابهم سواء كانوا من الداخل أو الشتات لا يزال السائد على الرغم من محاولات التمرد الفردية ونلاحظ ذلك بشكل كوميدي وعبثي في الفيس بوك عندما يتكاتب فلسطينيين أحدهم من الداخل والآخر من الشتات حين يبدو كأن فلسطيني الداخل يحلق في فضاء من اللوز والزعتر والميرمية وبحر حيفا ويكاد يصدق ذلك - ولا زلت أذكر حين لقبني أحد الأشخاص من قطر شقيق عندما كنا نتكاتب انترنتيا بأنني "من حماة الأقصى" ..أنا!!! ..ويجرفني بحر حيفا الى معضلة المكان في النص ومحاذيره حيث لا زلنا نصنف الأماكن أدبيا بصفتها مقدسة أو نجسة فإذا كتبت مثلا عن ومن مركز فلسطين التاريخي بمعنى منطقة يافا-تل أبيب فهنالك تشكيك فوري بوطنيتك والتزامك بالشأن الى أن تثبت العكس..بينما تستطيع ان تكتب حتى الغد عن أحياء الكرمل والهدار وبات جاليم والبحر والجليل وقاعدة السلاح البحري مع أن الكرمل هذا بأحيائه قد لا يقل صهيونية عن تل ابيب وقد تم ضم ما تبقى من أحياء عربية في المدينة بعد العام 1948 الى الكرمل تماما كما ضمت يافا الى تل ابيب ولكن ما العمل إذا كان محمود درويش وأميل حبيبي قد اختارا العيش بمكان عن غيره مما منحه قدسية أدبية لا تفسير لها سوى شعرية الأسم وجمال الطبيعة إذا ما قارناه بأماكن أخرى مثلا وينسحب ذلك على الفرق بين الكتابة عن رام اللة مثلا بصفتها (عالموضة) وبين الكتابة عن قرى الخليل على سبيل المثال. ولكن الضحية عادة ما تخلق لنفسها قوانين صارمة تحافظ من خلالها على وهج اللقب المريح.

الجمعة، 9 أبريل 2010

كلنا نومينيز

في الزمن المستعار أقف ..أو فلنقل في الأوقات المستعارة بين اللحظة الآنية المعطاة التي لا تعترف بماض أو مستقبل ما هو إلا عمر اللحظة وبين ذاك الأوان ..حين تتفجر الحقيقة أشلاءً في وجهي على شكل فراشات أو عطر جديد لدولتشي أند جابانا أو كل هذا مجبولا برمل أسود أو ... سبائك عرق مجمد...أؤجل المهلة أحاول أن أمددها بالقوة ببهلوانيات خارقة تصطدم ببلاط من عظام اليأس.أمدد المهلة "أمطمطها".. أشدها حتى تتشقق شراييني...أمددها إلى النهاية الجسدية الطبيعية إن أمكن..

في الأوقات المستعارة:
1- أذهب لشراء السمك، لا يزال السمك يحمل وصمة عار المركبات الأمينية التي تسكنه وتحلل جماله هي ورائحة أبخرتها ، يلف لي البائع الأسماك-بجريدة عشوائية(بمعنى أنه انتقاها بعشوائية) جريدة بها نص لي...ولعدوي..على...الطرف الآخر من صفحة-إعادة صياغة التاريخ والجغرافيا- تلطخ قشور سمكة وفتات أمعائها وشيئا من الدماء أطراف نصي بينما لا تمس النص الآخر ...تلك هي قوانين ابتياع السمك ...تكتنفها الحسرة من جميع الجهات ...لا يهم، فذاك الزمن ...مستعار ..

2- أعود إلى البيت، تضع القطة أجنة صغيرة لا تتحرك ..أو ميتة هي ربما، تلتهم القطة شيئا احمرا قد يكون مشيمتها أو مخلفات الولادة..أم أنه أحد جرائها. ياي.يا الهي ..رب كنعان.. هذه هي الحقيقة الآن ..وهي لا تستأذنني بصفتي سيد الحيز ..أكاد أتقيأ أو أسقط منهاراً..تنتهي القطة المتوحشة من جريمتها وتتجه إلي لتلتهمني لكنها تقول : أكنت تريدني أن أموت جوعا حيث تتركني في حيزك هذا دون طعام ولأسابيع كثيرة أم اترك ابنتي تتعفن هنا إلى أن تعود حضرتك يا سيد الحيز من شراءك للأسماك والخضار وتلميع زجاج المقود من الدماء الفوضوية.. أحشائي أكثر احتراما من هذا.. لا يهم.. أقول لها ، فذاك الزمن ...مستعار ..

3- أجلس مع ريري في مقهى، كان اختيار المقهى سيئا نقول لبعض، كان علينا ان نختار ركنا يتلاءم مع هيبة مجمع الأحزان هذا الذي يكاد يقصم ظهورنا ، سجلي عندك من رأس الصفحة بنود إطفاء الحرائق .تأتي النادلة الصلعاء بفعل العلاج الكيميائي..سجلي عندك ..قهوة كابوتشينو بجرعات اسبرسو مضاعفة..قهوة فلتر مع حليب ساخن يرافقها ، ماء من الحنفية ( الا يكفي ما أنفقه كل شهر على المياه المعدنية على أشكالها)، مع أنني سأموت وأتذوق قطعة كعك بشيكولاطة ساخنة بلجيكية ولكن الموقف لا يتلاءم ..فسجلي عندك ...يتدافع الأطفال السعداء وأمهاتهن في ليلة العيد بين قدماي ويسكب أحد المارة الصغار المهرولين ماء الحنفية البارد على خصيتي المنكمشتين أصلا..كان الاختيار سيئا، وها هو المهرج بالسيقان المضاعفة عنوة يخترق ممرات المعروضات الزاعقة كلها ويتجه نحو مائدتنا الشقية وقبل أن ينقض علينا... أقف وأصرخ..كفى..قلت أن هذا الوقت مستعار..

4- أرتمي على الكنبة الحمراء، أدثر نفسي بكذبة أكاد أصدقها ، لا يقطر تمثال العذراء الكبير امامي اية زيوت عطرية اصطناعية اليوم.. التهم المكسرات والفول المسلوق مع البقدونس ومئات القطع من كعك العيد...نشاهد أنا وmaman "ستار أكاديمي"... يا ترى من هم النومينيز لهذه الحلقة ..مع أننا لا نملك إعجابا أو تفضيلا مبدئيا لنومينيز بعينهم على غيرهم...وماذا يهم؟ فجميعنا نومينيز في هذا الزمن المستعار..

نيسان 2010