الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

كيتش ميلادي


1
أيا ذلك الطفل الذي يقف أم بائع الكستناء ليلة الميلاد و...بلا بلا بلا ...
أنا ذلك الطفل الذي كان يقف أم بائع الفستق الحلبي في ليلة الميلاد وتسيل من عينه اليمنى دمعة تحمل بين هشاشتها.. مذوذ...(أوف ما هذا الكيتش الميلادي)
فلنحاول من جديد...
مرة اخرى ...
إيه ذاك الصبي الأشقر على استحياء والذي يقف هو وفأره الصغير الذي يعتمر قبعة حمراء نسجتها التراجيديا قرب عامود مزركش بفرح الميلاد المتماجن مع سحر رموشه ينتظر أن يستعير أبا وأما وشيخ عيد وشجرة مزينة بالدفء ...لليلة واحدة تنتهي أبان الفجر بقليل أو أكثر ...على امل ان يتحول ندف الثلج الذي لا يتساقط ، الى أسطورة بحبكة بوليسية واهية..
فلنحاول ان نضبط الأمور...
طفل ينتظر قرب حاوية قمامة عملاقة تسيل شمبانيا مجمدة ورائحة صنوبر رطب ...تعبر سيارة سوداء فارهة محشوة برجل ازرق العينين ، طويل له كرش صغيرة وخاتم ماسي يعكس نجمة العيد الوقحة ..والسيارة محشوة ايضا بإمرأة جميلة ملفوفة من أخمصها بالجلد...جلد القنافذ وجلد الأفاعي وجلد الأسماك وجلد العبيد اللذين عبروا بين ارجاء العائلة على مدار أجيال وأجيال ..كما أن السيارة محشوة بأولاد وبنات كثر لا حصر لهم ولا ملامح ...كلهم شقر، بيض، يلبسون بتراتب فتاك الأحمر والأخضر والأسود والأبيض (ليس دلالة على علم فلسطين: لا سمح الله) ..السيارة مزينة بالأنوار المتلألأة والأشرطة الحمراء والخضراء وفتات الثلج العالق أبدا ...تنفلق السعادة من عيون كتلة الأولاد ..تنشطر ..تتفتت ..تهيل..تتدفق ...تحاول اللحاق بضوء نجمة العيد الذي يبدو انها لم تكن وقحة الى تلك الدرجة...تنفلق السعادة، تتدفق من بين بريق أحمر شفاه السيدة السادية التي تطفيء سجائرها على خاصرة خادمتها السودانية..تنفلق السعادة ، تتدفق من بين ثنايا فحولة الرجل الأزرق العينين وهو يتذكر باسما كالعاهرة كالمني المتسارع من قضيبه الوردي الضخم بعد أن التهمته بائعة العاب العيد الروسية في غرفة الدببة والأرانب النائمين ..تتدفق السعادة من الشارب الباسم لرب العائلة السعيد ضمنا بسرعة ذوبان الكحول بالماء المر...
طفل ينتظر قرب حاوية قمامة عملاقة يرتجف من ضجيج الوحدة، يقترب منه غزال صغير أنفه عبارة عن بلورة حمراء مضيئة ..تشع رقة وعذوبة..يلعق الغزال خد الطفل فتتفكك نجمة الهيد وتتحول الى مسحوق براق، أطياف وجوه...وفرط سعادة..
2
لا ازال طفلا يقف امام بائع الكستناء والفستق الحلبي ..يدخل "ميشو" الولد الذي يلازمني ظله كاللعنة كل ليلة ميلاد من جديد ...يطلب من البائع ارطالا وأرطالا من الكستناء والمكسرات والبذورات والبذورات المطلية بالسكاكر مما لذ وطاب...يتركني البائع، يهملني وكأنه يقول لي : من الأفضل ان تعود الى بيتكم البارد، البائس الوحيد فأمثالكم لا يستحقون أو لا يستوفون شروط وحجم مسؤولية فرحة هذا العيد..كيف تجرأتم أن تكونوا بهذا المقدار من التعاسة امام استحقاق كهذا للسعادة...
ولكن هذا انا وذاك بيتي ..واريد ببضع شواقل، كستناء للشي..

يحمل "ميشو" الأكياس المحملة بأسباب السعادة ويمضي الى العربة الحمراء اللامعة التي تنتظره وهي تكاد تختنق من البهجة...ينغمس "ميشو" في سعادة سرمدية لا مثيل لها ولا تنتهي ، وهي جزء منه ..من تكوينه ..لا خيار آخر امامه سوى استنشاق عبق صنوبر الشجرة المرصعة بحكايات بيت لحم ويهودا والسامرة طوال الليلة...لا سيناريو بديل لليلة الميلاد لدى "ميشو"...لا انقطاع للتيار الكهربائي...لا فيضان لمياه السيول التي تجرف المذوذ ومن فيه...لا تكسير زجاجات فارغة على رؤوس الجالسين حول المائدة...لا عراك بالأيدي مع بابا نويل بسبب تأخيره بالوصول او ربما تبكيره..لا انعدام تاريخي متجذر لبابا نويل أصلا ..لا برد عضوي متأصل ومتوارث عبر الجينات...لا سؤال بمعنى "لماذا؟" ...لا غياب لليلة ميلاد واحدة..بمعنى –واحدة- طبيعية كالبشر...
يمضي ميشو الى فرط سعادته غير المشروطة ...
اتناول حبات الكستناء ، وأجلس قرب حاوية القمامة المزينة... يقترب مني غزال صغير أنفه عبارة عن بلورة حمراء مضيئة ..تشع رقة وعذوبة..يلعق الغزال خدي..ويجلس قربي...بينما سيجد الشرطي الأمريكي "ميشو" مشنوقا في غرفته ليلة الميلاد بعد ذلك بثلاثين عاما إثر خسارته لوجبة الرهان الأخير. أوعدكم.

ميلاد 2009

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

صفير الأماكن*

1
تتعطل سيارتي
اقف كالكائن الهش ، الخائف المبتل المنتوف الريش الذي لا حول ولا قوة له ولا لمن قبله او بعده وسواهم الأحياء منهم والأموات ...
لا اقوى على تغيير الإطار ولا أعرف كيف ؟(فسواق papa كان يقوم بهذه المهام بدلي، قبل ان تبذر maman كل ما بحوزتنا من مال وجاه وجمال وأخلاق – كان السواق يقوم بخدمات جسدية متنوعة وأخرى لأفراد العائلة إضافة الى مهام امتطاء المقود وبعث الحياة داخل الوقود الى أن يذوي ويتبخر ميتا معاتبا، كما كان السواق ينتظر نوم الجميع ليبحث بين وحل الشتاء ورائحة عفونة الساحات الخلفية عن مبتدأ مكيدة ، عن شرارة مأساة وعن سر مدمر او كذبة قد تحرق الأخضر واليابس مما لم يكن موجودا بعد ومن السراب-هل شاهد احدٌ حريق سراب مرة)
إذا أقرر ترك عربتي والفرار ..فبداخلي ما يكفي من حقول تنتظر جرافات تنبش بجوفها لتستخرج سوائل شفافة لا تخفف حتى من آثار حمى عابرة...كي لا نقول قاتلة ..بأثر رجعي..

2
تتعطل سيارتي
الحظ ضوءً ابيضا قويا يقترب مني...ووفق منطق مايك لي السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهي وهو سيعبرمن اول النفق الى آخر عظمة في الجسد..
تقف سيارة. اعتليها..
- ارجوك خذني من هنا ، بحيث تتحول هذه الرائحة الى مجرد رائحة ذكرى، او خدعة عطرية
- الى اين؟ اين تسكن؟
- لا أعرف
- لا تعرف الى اين تذهب ؟ ام اين تسكن؟
- كلاهما
- لم التق بحياتي بشخص لا يعرف اين يسكن! من انت يا هذا؟ ولماذا يخيل لي انني اراك في كل مكان ومحفل والتفافة طرق وكأنك ساحر او جني يمر قرب كل مفترق او تحويلة او ميدان مات فيه عشرات الأنس دهسا أو قتلا أو انتحارا ...
- لا، انا ببساطة لا اسكن في أي مكان ، احاول صياغة ابجديات علاقة مع الأماكن والأشخاص والهواء كل مرة من جديد وما ان يبدأ الشريط بالتثبت حقا لتولد رتابة نوعية، معينة ما..حتى أغادر الى مكان آخر احاول فيه صياغة ابجديات علاقة...الخ الخ ...
- مثير، تجاذب مثير بالفعل...
- ثم أعود الى المكان الأول مرة اخرى واحاول صياغة تلك الأبجديات ...ولكن الصياغات ليست متشابهة دائما بمعنى انها قد تجلب فرحا مقلقا او مأساة لزجة بطعم التفكك...
3
نلحظ ضوءً ابيضا قويا يقترب منا...ووفق منطق مايك لي السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهنا سيعبر متخايلا من اول النفق الى آخر قطرة من زفير..زفيري..زفيرنا..لا يهم ..

اعاتبه بصمت...
- لماذا لم تقترح علي تغيير إطار العربة؟
- انا افر من مثل هذه الأماكن، ثمة ما ينتظرني دائما ، ما هو أهم ، لا وقت لدي ، لا وقت لدي لإطفاء حرائق اللا-يقين.
- لا افهم! ما الذي ينتظرك؟
- طفل صغير في بيت جبلي منسي عند قمة تلة مطلة على بحيرة من لؤلؤ، لا يعرف الطفل سوى انتظاري وسوى حاجته لي ولوجودي الذي هو تتمة لوجوده وسببا له ...
- وهل ينتظر لوحده في البيت البعيد؟
- نعم ، تنتظرني وحدته
- -ولكن!!!
- كما تنتظرني مدينة أسرار تعج بصخب السؤال ، يثور من بين جدارات ابراجها زبد من دموع واسئلة واحمر شفاه ونجوم مسحوقة وعرق بعد دنس ومني دافئ ولعاب شبق وسحر حانة بأخضر معمق وتوسلات الباعة وعبق القهوة وخرير إعدادها وكحل عيون وكحل يسيح وكحل يلطخ عنقا تم لعقه منذ قليل في حفلة بدأت ولن تنتهي.. وكحل يذوب داخل زبد..وهكذا..
- ولكن!!!
4
اترك العربة المستديمة ...
أصل الى مكان جديد، كنت فيه كل حياتي، احاول استيعاب ملامحه .. احاول صياغة ابجديات علاقة ما معه كانت قد انقطعت إثر مغادرتي اياه بطقوس بدت دراماتيكية وقتها...وكأنها لم تكن مخططة منذ دهور ...
تجدني اعود بعد ثلاثة أيام الى نفس احداثيات تواجد سيارتي وإطارها الخلفي الأيسر الذابل ، أقف قربها، أتأمل ضمور الإطار (فمع ذلك علمني سواق papa استخدام المواقف الحرجة كذريعة لتأجيل النظر في المرآة)..
الحظ ضوءً ابيضا قويا يقترب مني...ووفق منطق خالد يوسف السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهي وسيحملني وسيارتي الى قرية في صعيد الهمس..

ديسمبر(2009)
*شخصيات هذا النص وهمية الى ابعد الحدود