الأربعاء، 28 يوليو 2010

بطاقة مبعوجة

ندخل الى السيارة .درجة الحرارة فيها 500 مئوية.زجاجة المياه المعدنية. تغلي . نظاراتي الشمسية التي اشتريتها من البواقي انبعجت. وكذلك بطاقة صندوق المرضى.يصرخ الجميع. علي أن أحل مشكلة الحرارة للكل.بأية طريقة ممكنة لا يهم فكل شيء متعلق بي وبإرادتي . فأنا صاحب الحلول.تعتقد المرأة الجالسة قربي أن في داخلي مكيف. يخرج منه الهواء المثلج النقي والمنعش ويخترق أذناي وفمي وأنفي و..و. .كما تعتقد الكلبة الجالسة في الخلف أنني بمجرد ملامستها وجعلها تلعق أذني فسيتساقط ثلج بلوري ساحر .أشغل المكيف رحمة بالعباد.كالعادة أو بالطبع تقول لي المرأة التي تجلس بجانبي أن التكييف عالي وأنها تكاد تموت من البرد. نخرج من الموقف أو نود الخروج منه. لا سبيل. لقد أضعت بطاقة الدخول وبالتالي علينا قضاء ما تبقى من حياتنا في هذا المرآب المداهم. يصرخ الطفل من وحشة العتمة والهواء الفاتر المنفلت من صهاريج السيارة.ثم تبول الكلبة على أرضية السيارة الجديدة، ويمر عشرون عاما...ندخل المجمع التجاري أو المول أو الكنيون بلغة الإحتلال التثقيفية. الهي ما هذا العدد من الأطفال. كيف تساقطوا في هذا الفضاء. واو.. وأخير هواء تكييف طبيعي غير مجبول بغازات الإبادة الجماعية المتدافعة من المحركات. يمتلئ المكان بالآباء المرهقين الذين يبحثون عن أقرب سكين يقطعون به شرايين معاصمهم الهشة أصلا.يتدافع الأطفال. وتكاد الأمهات تقتل واحدة الأخرى من الغيرة وفنون المقارنة . ولا تتنازل أي واحدة منهن عن حشر ذاتها في حفاضات الطفولة المستعملة.أسمع ضجيجا من بعيد..صراخا . يقولون بأن أحد الإباء أصيب بانهيار عصبي مفاجئ...داني. كفى كفى كفىىىىىى . نشتري بالونات فتتفجر في وجوهنا. نشتري ماكدونالدز هابي-ميل. نلقي قطعة اللحم المقرفة في وجه با با .ونلهو ب"شريك" وعصابته. يعتقد البائع في ماكدونالدز انني اعتقد وانني مؤمن بأعمق حالات إيماني أن الدمية الوحشية المرفقة بالهابي ميل..هي هدية! نشتري بوظة نلعق منها قليلا . تستقر نصف كرة من البوظة عند حواف شعيرات صدري.لا أعرف كيف وصلت الى هناك. تستقر ثم تدووووووووووووب. ندخل منطقة الألعاب. أحاول تحييد تفكيري الجرثومي قليلا .لا استطيع. كل هذه الألعاب مليئة بالجراثيم . أقف بعيدا . تقول لي الكلبة . كل شيء في عالمنا هذا مليئا بالجراثيم ..حتى أنا! هل تصدق ذلك؟ حتى أنا! يتزاحم الأطفال حول تماثيل الألعاب التي تشغل بالشيكل ..يطلب مني طفلي او يأمرني ان نتوجه للعبة الحصان .نذهب الى هناك . يعمل هذا الحصان بشيكلين وليس بشيكل واحد. ادخل قطعة 2 شيكل جديدة. فيلفظها الحصان. تقول لي إحدى الأمهات التي تملؤها الطاقة أنه علي أن أحول القطعة الى 2 شيكل منفصلة كي تتحرك اللعبة.أبدأ رحلة البحث...حدا يعطيني ورقة...حدا يعطيني ورقة ...على رأي فيروز في مسرحية "المحطة ". في هذه الأثناء يضيع كل من/ما كان معي بما في ذلك هاتفي الخلوي..الخليوي ..النقال ..الجوال..المحمول..الموبايل..المتحرك..أو البيليفون بلغة الاحتلال التثقيفية. يبكي طفلي قرب الحصان. علي إنشاء مجموعة بالفيسبوك لحل معضلة تشغيل الألعاب بقطع 2 شيكل منفصلة. أعود بالقطع المعدنية. أحاول تشغيل الحصان . أحمل طفلي وأثبته على ظهر الحصان . يبدأ بالتململ ..ثم بالاستغاثة..بخاف ...بخاف...
بعد لم الشمل ...ننتظر المصعد ننتظر وننتظر..يصل المصعد حيث ننتظر ولكنه لا يقف ..يلهو به الشبان المراهقين. فيصعد..ويهبط..ثم يصعد مرة أخرى..تقول امرأة عربية ستينية متعجرفة لإبنتها/ كنتها(والفرق شاسع) ..شو هدا القرف عندكو ، بأميركا مش ممكن يصير هيك. عنا باميركا ...المحلات أنظف..والبوظة اطيب..والأكل ببلاش ومرمي بالشوارع...وعنا بأميركا الأطفال مؤدبين..والكلاب بيعملوش بي بي وكاكي من أصله..ويصل المصعد... ندخل الى السيارة..الرطوبة الف بالمائة ..يطلب مني الجميع ايجاد حلا فوريا للمشكلة ..أفكر بكتابي الجديد..والسيناريو السينمائي الذي أكتب ..والنص القادم..والمقالة التي طلبوا مني كتابتها في برلين. ومشاريعي الخريفية الواعدة ...نغرق في مستنقع عرقنا...أشغل المكيف..واخيرا ماتت السيدة الجالسة بقربي من شدة البرد. لقد أضعت بطاقة الدخول مرة أخرى .كما ان بطاقة هويتي انبعجت وتحللت من شدة الحرارة والرطوبة. سنعيش هنا ..وتمضي عشرين سنة أخرى...
ما أتفه الصيف...

الثلاثاء، 13 يوليو 2010

مكعب

1
أدخل الى مكعب أو مستطيل مرتفع افتراضي مكيف ..تختزل فيه الساعات ذاتها وتتهاوى مستسلمة ..ألامس أطراف تلك البوابة الدائرية ..يسلمني الباب نحو الداخل أمانة ثمينة تتداول بأسرارها وأسرار الخليقة من وراء غشاء منسوج بالقليل من كل ما لا يلامس لذة وجعه . أخاف الإتصال بمن ينتظر متعرقا في الخارج فالمرايا هنا مصقولة بعناية زائفة .يسألني الحارس للمرة الألف: من أنت و.ألا زلت تصدق أكذوبة التاريخ هذه؟
2
بعد هذا ..اتذكر "ملحم بركات" لا أعرف لماذا ! أتذكر العزف في أسمه وأغانيه السبعينية قبل الحرب الأهلية أو بعدها ..لا أعرف ..لا يهم (بل يهم –تخيل أنه كان يغني لحبيبته التي اختفت في بيروت الشرقية هي وقصتهما خلف الحواجز الطائفية – دراما أهم واكثر وقعا من مجرد تأويلات رومانسية سخيفة) ماذا أسمع محتميا بهذا التكييف ؟ "وحدي أنا" أم "بين البيوت والقناطر" أم حبيتك وبحبك؟" فأنا لا أحب أغانيه الجديدة..يداهمني صوت ، يقتحم أسلاك سماعات أذني...ألا زلت تربط كل نغم تسمعه بأحداث هذه المنطقة العبثية السخيفة؟
3
في برج المكاتب المكيف هذا أسمع إذا "حبيتك وبحبك تيبطل الموج يركض ورا الموج وتخلص الساعات..." فجأة انظر أمامي ..كل من يجلس امامي وبجانبي ومن ورائي لن يفهم... هل سيفهم هذا الروسي الذي يجلس قبالتي والذي يدعي ان هذه بلاده، من اي كهف شمالي يخرج صوت ملحم بركات أم ان ذلك لم يعد مهما!..يهبط روح القدس على الروسي الهادئ (هدوءه مثير للقلق) الجالس أمامي والذي تتشابك سيقاننا بشكل غير مقصود كلما استعرنا غفوة قيظ عند اشلاء النهار..يتحدث الروسي فجأة بالألسن كما كان يعلمنا استاذ جورج في دروس الدين الموجهة جدا جدا...يقول لي تلميذ يسوع المستحدث ...الجديد وبالعربية ..الا زلت تؤمن أن أراضي صيدون وقانا تتاخم أراضي اليهودية ولاخيش وزفولون؟..
4
قبل هذا ...تتشابك السيقان و يبدو كل شيء مثل "غابه من السيقان" وهو ايضا فيلم مصري سبعيني (لدى حمى سبعينية غير واضحة المعالم حيث لم تكن المكيفات مفهومة ضمنا بحيث تفصل الحق عن العدل) ...سأحاول ان اسأل الجالس أمامي الآن إن كان قد شاهد "غابة من السيقان" هذا –عندما كانت السيقان العربية متاحة ومكشوفة في زمن الميني جوب ..أحاول أيضا أن أرسم في مخيلتي (في حال لم يعرف!) كيف تبدو غابة السيقان هذه ...ربما من الأفضل أن أساله إن كان يدرك الفارق بين الحق والعدل في برج المكاتب المكيف هذا.. ولكنني لا أعرف اسمه الحقيقي . يقول لي التلميذ مرة أخرى: الا تعرف أن الحق والعدل باتا واحدا وان القوي هو من يسن القوانين التي تصنع العدل أو أسوأ من ذلك "العدالة" ؟
5
ولكنني لا أعرف اسمه الحقيقي..ففي برج المكاتب المكيف هذا حيث لا أسماء حقيقية ...كل يغير اسمه واسم عائلته على هواه ووفق إحداثية وجوده وظروفها ..وهذا ما يحدث عندما تسأل احدهم ماذا يقربك فلان ..فيجيبك بدوره وبفخر كبير ..اه هذا ليس اسم عائلتي الحقيقي...عندما صعدنا الى البلاد نصحونا بتغيير أسمنا فغيرناه أو بالأحرى "عبرناه" وأصبح هكذا ...أما الأسم الشخصي فهو معبرن في أماكن وشوارع وبنايات وغير معبرن في أماكن وشوارع وبنايات أخرى..أما في ابراج المكاتب المرتفعة ..فإن الاسم الثلاثي يخضع للتأثير المضاعف لقوة التكييف (ضرب) ارتفاع الدور. الن تكف عن الإعتقاد السخيف والمبتذل أن أسماء الأشخاص التي تقال لك هي الأسماء الحقيقة ؟ الن تكف عن ذلك بربك(إن وجد)؟

6
أخرج من مكعب أو مستطيل مرتفع إفتراضي مكيف ..تختزل فيه الساعات ذاتها وتتهاوى مستسلمة ..ألامس أطراف تلك البوابة الدائرية ..يلفظني الباب الى الخارج ثم يصفعني هواء أو لا-هواء ساخن مثقل بالحقيقة والرطوبة الخانقة التي تنزف شرا ينتهك كل ما يحيا...يسألني شحاذ يسكن داخل حجر مقدسي متقن الصنع...ألا زلت تصدق تلك الكذبة؟

الخميس، 1 يوليو 2010

Sex and the city 2 كيف تأكل المرأة المنقبة أصابع التشيبس?

لا شك أن الأشرطة السينمائية التي تلت المسلسل الأمريكي الشهير Sex and the city جاءت تتويجا واستثمارا لنجاح العمل التلفزيوني لا أكثر ولا أقل ومن خلال سيناريوهات مهلهلة فاضحة بضعفها وتترك المجال برحابة صدر وبتواطؤ لعرض الأزياء والإكسسوارات الأسخن والأرقى في العالم ، إلى درجة جعلت تناول الأعمال السينمائية هذه في الإعلام الغربي يتركز ويسلط الأضواء على أسماء المصممين الكبار والواعدين الذين نالوا شرف ظهور حاجياتهم الأزيائية بالفيلم الأول الذي هو عبارة عن مهزلة سينمائية حقيقية على صعيد القصة والسيناريو ..وقد نالت حمى الأزياء هذه من الفيلم بجزئه الثاني بشكل حجب الأنظار عن كل شيء آخر ...وهكذا تجاهل الإعلام المتخصص الغربي قصة Sex and the city 2 الإشكالية عن سبق إصرار بينما تم التركيز على مصادر الفساتين والإكسسوارات والحلي والحقائب وحتى الأثاث والديكور المنزلي ..وبالفعل فإن الشريط الذي يمتد على حوالي 150 دقيقة عرض سينمائي هو عبارة عن فيلم ترويجي ممتاز لآخر وأغلى صرعات الأناقة العالمية والتي ستجتاح العالم في هذا الصيف انطلاقا من حاضرته الأبدية "نيويورك"..ويقودني هذا الى مدينة أخرى هي "أبو ظبي" فيها تجري أحداث معظم الفيلم حيث تسافر البطلات بدعوة من شيخ إماراتي برحلة ملوكية للترويج لفندقه الفاحش الفخامة بخدمه وحشمه ..ومن هنا تبدأ المقارنة الحتمية بين المدن نيويورك-أبو ظبي (هذا وعلى الرغم من تواضع المستوى الفني للعمل).
عندما يظهر عالمنا العربي في أفلام هوليوودية يركبنا كنقاد ومشاهدين ألف عفريت حول النظرة النمطية، التشويه وتزييف صورة العرب ، وبحق أقول أن هذا ما انتابني عندما بدأت تظهر الصورة "النمطية" لأبي ظبي في الفيلم ..سأكتب ضد النظرة النمطية العنصرية هذه..ولكن ومع نهاية الشريط ومع خروجي من دار العرض توقفت قليلا وتمتمت في داخلي "بتعرفوا شو؟؟معهن حق"...
حتى وإن كانت مقاصد صناع الفيلم شيطانية وخبيثة ..أليست هذه هي الحقيقة؟ حقيقتنا الآن كعرب نقف حائرين خارج الفعل الإنساني؟ ففي صراع نيويورك- أبو ظبي ...نيويورك هي الفائزة وبجدارة فهي مدينة القشور البراقة والموضة والإجرام (إن أردتم) ولكن أيضا الثقافة والأدب والفنون والتقدم التكنولوجي وتقديس الفرد وحريته الفكرية والجنسية والشعورية ..بينما تقف أبو ظبي بأبراجها الشاهقة وفخامتها وأناقتها وقشورها زاعقة اللون ..تقف على ركام من التقاليد الشرسة والخواء...فالفيلم لم يزيف شيئا للأسف- ينجز العرب كل شيء بإتقان على صعيد الشكل وهنا ينتهي كل شيء فالشكل والمظهر الخارجي ..الشكلي والديني وإلى ما ذلك يحكم كل شيء وليس فقط في الخليج ولكن أيضا في بلاد الشام ومصر والمغرب...فبالفعل شغلنا الشاغل حاليا ..ما هو شكل الحجاب أو النقاب الذي يتوجب على المرأة وضعه وكيف بحق السماء ستأكل طبق البطاطا المقلية دون أن تزيل النقاب كما حدث في أحد مشاهد الفيلم المحرجة...أبو ظبي كمثيلاتها من المدن العربية تتعرى فجأة من طلائها البراق وتكشف عن أنيابها عندما يتجرأ أحدهم على طرح جنسويته على الملأ وبسذاجة بينما يسمح كل شيء في الحجر والقصور المغلقة المؤمنة من قبل حراس هنود..بينما يتفنن الغرب في إبداع أساليب تعزز حرية أفراده الفكرية والعقائدية والجنسية بشكل أصبح مفهوما ضمنا وخارج البحث أصلا .
إذا هذه صورة العرب الآن- كيف تأكل المرأة المنقبة أصابع التشيبس- الإجابة ضمن أحداث Sex and the city 2 ويكفي فيلم رائج شاهده مئات الملايين حتى الآن في أنحاء العالم لتكريس صورة ...هي للأسف غير نمطية.