الخميس، 29 أكتوبر 2009

بر- بحر


1
استيقظ ذات صباح مستقيم ، اقتطع ماءً ساخنا من البئر الأخيرة ، اذيب فيه قليلا من السكر وابجديات الضحية , وأدير ظهري للبحر.
2
عندما سرق البحر منا تعلمنا الا نسأل عنه ، نخاف منه ، نخاف من ذلك الحد الذي يصنع لبرهة أرض، بصمة.
3
أدير ظهري للبحر إذا ، منذ أن أخبرتني جدتي أن لا بحر لنا، وأن الهضاب والتلال المنخفضة وشجر السرو والصنوبر وأشباه الينابيع وانصاف البحيرات هي ملاعبنا الأبدية ، منذ الآن. سجل عندك.
4
منذ لحظة إخباري.
5
منذ أن سرق البحر منا ، اقف عند حافة النص فتداهمني رياح نسيان، نسيان لما لم أعد أتذكر منه شيئا..ما حفنة البحر؟ ما مداها المستطيل المحدب المقوس ..السرمدي منّي.
6
منذ لحظة وصولي..
7
لا أعرف البحر ولا صوت تكسر أشلائه ولا رائحة الزبد المتخمر في بيروت والماضي الينا –لكن ما هنا وما هناك - ولا حتى ألوان العبوات البلاستيكية المتسللة من الإسكندرية شمالا.
8
لحظة سرق البحر من أبي ، علمني هو الا أسأل عنه –عن البحر- ليس هذا بحرنا يا ولدي ولا الرمل حقيقي ولا ذاك السرطان الزاحف بإتجاهنا يقصدنا نحن بل أنه في الواقع سيبصق قربنا ويمضي الى من جهزوا له عشبا طريا عذبا منذ دهر ، فلنشتري سمكتين من المقصف الجبلي المنسي ونفر عبر الهضاب والمرج الى مخبأنا ومثوانا ومرتع انتظارنا على ضفاف نبع جف..
9
صَدَفة حبلي بغيابي/ك/نا..
10
يبتلع ابي كلماته وكأنه يندم على تركه للبحر هكذا ببساطة ورميه في أحضان عشاق غرباء جاءوا من البلطيق ولم يرحلوا من يومها ، ولكن العربة المهتزة المهترئة القديمة التي تعبق برائحة الوقود وشمس الظهيرة القاتلة، تمضي بنا..بي..وبه..وبصمتنا ..وصخب أسئلتي ..وبمداواة ندوب مسلماتنا ..
11
بما ان البحر سرق منا فعلينا الحفاظ على اخلاقيات الهزائم وبالتالي عيش فقدانه حتى النخاع فلنشتر سمك "برك" يا ولدى واتركك من السمك "الحيفاوي" فنحن لا نستحقه ، نحن اتفه من ان نستحقه...أدر ظهرك للبحر..أدره..
12
ولكن لماذا ؟ لماذا نقطف الأسماك من البر لقد استلقينا على صدى الرذاذ قبل برهة وقليل..
13
علينا الإلتزام بقوانين الفقدان، يا فلذة كبدي ...
14
نهايات اكتوبر 2009، الصيف يابى ان يفارقنا ، إذا علينا انتظار مريم في محطة قطارات الشاطئ يا ولدي..أدر ظهرك للبحر ، لا تحاول حتى إختراق حاجز الفقد، العب ها هنا وكأن العالم يتجمع الآن في موقف السيارات هذا ..ينتظر هبوط محطة "فيروز" عليه في تلك المغناة السبعينية ..
15
أدير ظهري وأغني له مقطعا من "نطرونا كتير كتير عموقف دارينا..." فيهرب مني ...يفر هكذا..
16
يفتح صدره للبحر ، يجري ويجري ..اتبعه مفزوعا (فهو لم يتجاوز العام والقليل منه) ، يمضي ..يكرج على الرمل وكأنه ولد بين انثنائاته ، ينظر الي ساخرا ، يتحقق من وجودي ضمن قطر الدائرة المناسب ، لم تحن ساعة الموج بعد، يقلد صوته ، ويستلقي على الرمل هانئا ...
17
ولكن البحر سرق منا..وعلينا احترام قدس غيابه...
18
يتناثر الرمل على وجهي وملابسي وشعيرات صدري الرمادية...امتلئ رملاً ونشوة خارج وقتها..
19
يجري الطفل وراء كائن برمائي لا اعرفه ، قبل ان يرتمي ذاك في أحضان غرباء بحر الشمال...

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

عندما يصبح لبنان فيلما إسرائيليا مزعجا

لا يمكنني أن أترجم اسم فيلم "لفانون" الى العربية لا لسبب سوى رأفة بهذا البلد الجميل المسكين الذي تركب السينما الإسرائيلية مرة أخرى على ظهره وظهر مقاومته أو مقاوماته على ألوانها لتحصد أمجادا فنية وأخلاقية مبنية على أنقاض الآخرين(وهو تخصص إسرائيلي باتت تمتاز فيه الدولة المتنورة بشتى المجالات).
فبعد "بوفور" وخدعة "فالس مع بشير" يأتي "لفانون" ليكمل ثلاثية تنظيف الأيدي والضمائر الغربية، ولكن أن تبني دولة خاصية سينماها على أسطورة شرف وأخلاقيات جيشها وتجرف بذلك أهم الجوائز العالمية والترحيب النقدي والإعلامي لثلاث سنوات متتالية فهذا ما لم يعد يطاق أبدا!
لقد ذهبت لمشاهدة "لفانون" لأعرف لماذا "تبا" فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا وهي الجائزة الكبرى في ثاني أهم مهرجان سينمائي عالمي بعد "كان"!
لقد استفاد مخرج الفيلم شموليك ماعوز من "الموضة" التي أطلقها من قبله "فالس مع بشير" والمتمثلة بمضغ عذابات الجندي الإسرائيلي المرهف الحس والهش نفسيا أثناء حروبا فرضها عليه المحيط المتوحش والهمجي.
ولكن ومع أن "لفانون" هو فيلم متقن فنيا ودقيق الى ابعد الحدود في استخدامه للمؤثرات وتوظيف الحاجيات المختلفة والمحيطة بالمكان المقفل (الدبابة)بحرفية تحسب له ، الا أنه يمعن بغباء وانغلاق أو ربما خبث مقصود بترسيخ الإحتكار العسكري الإسرائيلي للأخلاق في هذا الشرق "الظالم".
فوسط بحر من جثث لعرب كثيرين لا وجه ولا أسم ولا انتماء لهم(في اباحية غير مسبوقة بالسينما الحربية) يجلس اربعة جنود اسرائيليين وسيمين بشكل منفر داخل دبابة شبه معطلة ليتبارون باستعراض رهافتهم النفسية وحسهم العالي. بينما لا نشاهد البلد المحتل"لبنان" وأهله الا من خلال جثث مشوهة ومقاتلين يتخذون من المدنيين دروعا بشرية ثم يموتون ، إضافة الى عناصر مليشيات يمثلهم أشرف برهوم (لا أعرف كيف قبل هذا الدور) حيث يتفنن المخرج بتصوير همجيته وإجرامه ومكره مقابل العمق الإخلاقي المتجذر للجندي الإسرائيلي وهو يحمي الأسير السوري من مخالب الكتائبي في واحد من اكثر المشاهد المقززة التي شاهدتها في السينما(وقد شاهدت الكثير).
وطبعا لا يمكن تمرير الأمر دون "كلوز أب" تطلقه عدسة رجل إسرائيلي بعيون زرقاء (دلالة على قوى الخير) على حصان أو حمار يحتضر بفعل الحرب والقتل وأيضا على طريقة "فالس مع بشير".
ولكن من غزا لبنان؟ولماذا؟ ((who fuckinn’ care، يكفي ان جندي الإحتلال إنساني، أخلاقي ومتفهم وعيونه زرقاء أو خضراء كي نغسل ايدينا الملطخة بالعار والشك.
ولكن وبعيدا عن السخرية وبما ان الفيلم سوف يعرض في كافة انحاء أوروبا فهي فرصة ذهبية لتحويل كل عرض له وكل احتفاء به لتظاهرة واحتجاج فضائحي ضد آلة القتل الصهيونية (وأخلاقياتها) فقد نعيد الإعتبار للمخرج الإنجليزي كين لوتش المعروف بمواقفه وتظاهراته المعادية للعنصرية الإسرائيلية والذي قام عرابو السينما الإسرائيلية "بشرشحته" علانية وعلى منصة مهرجان حيفا الدولي الأخير للأفلام معلنين عن حجب إيرادات فيلمه الأخير عنه وتحويلها الى صناعة المزيد من الأفلام العبرية.

الخميس، 15 أكتوبر 2009

من والى الفندق..

من والى الفندق...
1
إذاً وقعنا أنا وصديقتي ريري في فخ إغراءات السفر بصفقات بخسة الثمن (كل شيء نسبي حتى اللحظة) من خلال شركات اللحظة الأخيرة والتي يجب ان تكون قد وصلت الى حالة لا تطاق من قدرتك على احتمال تعقيدات حياتك ولهاثها نحو المجهول كي تقتني صفقة مثيلة وخلال دقائق من دون التحقق من ..نوعية الطائرة وتاريخ صيانتها وماهي جنسيتها ( mixwing- ما هذا؟؟أهي شركة طيران أم قناة إباحية تبث وفق مفاتيح سرية)...
أما الفندق...
ما أجمل روما ....أرض قاحلة وخراف..الكثير من الخراف غير الضالة هذه المرة..

2
تلقي بنا شركة الدقيقة التسعين إضافة الى بخلنا الفجائي أنا وريري الى اللاشيء..الى خارج خارج روما..الى ما بعد بعدها ..نقف أنا وريري على أسفلت مجنون يلتهب حينا ثم يندم ..ننتظر حافلة لا تأتي ..حافلة من المفروض أن تنقلنا الى خارج روما (لأننا أصلا خارج خارجها)...تتوافد الحافلات التي كتب على واجهتها الكترونيا وجهة نهائية هي ليست وجهتنا ...الهي ما هذا الخواء..أهذه هي روما؟؟ الساعة تقارب الثالثة ،أي مر دهر ونحن واقفون ..مر عمر..لم آت الى هنا لأقف على اسفلت خاوي أحسب ما ضاع على سطحه من عمري..جئت إجازة متضاجعة لأوقف الزمن الهادر قليلا...
لا حافلة بالأفق..لا ملمح يوصل احتمالات قرع أجراس روما المستحيلة...
لماذا تذهب الحافلات جميعها في الإتجاه المعاكس فقط، خلافا لما هو مكتوب...
تشتد الشمس...
أما روما...

3
خارج الزمان والمكان (ليس ذلك كليشها أدبيا ممجوجا) لا تصل أي حافلة ..تمر السيارات بتقاطر متعب للأعصاب ينظر سائقيها / أو أشباحها علينا ثم يمضون ...
إذا اليوم هو الجمعة والساعة تلامس الثالثة والنصف ...تقول لي ريري : ألا يشبه هنا منطقة "راسكو" في نتسيرت عيليت ؟؟أو استراحة ديمونا في الطريق الى الجنوب..الى مصر؟
ايه يا مصر؟؟
ولكي نقتل الملل ونتجاوز هول الكارثة الإيطالية هذه الذي وقعنا فيها ..نتذكر أصدقاء قدامى كانوا قد حاولوا الإلقاء بنا (هم الآخرين) في بئرهم الخاوية التي لا قاعدة لها ، ولكننا تسلقنا في اللحظة ما قبل الأخيرة وفررنا الى حقيقتنا المريحة...
الى هنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الى مكان ما قبيح محشور بين عاصمة العالم القديم وريفها المفترض..


4
"الأماكن كلها مشتاقة لك..والعيون اللي تركز فيها خيالك"...أدندن
يا ترى ماذا حدث للأم وابنها الإسرائليين الذين كانا معنا في الطائرة ونزلا في نفس الفندق؟(لدي حرص عندما أتواجد في أوروبا الا اتكلم العبرية التي اتقنها بفضائحية والا أكلم الإسرائليين وان اتنكر لهم تماما وان اشعر بالإمتعاض والقشعريرة عندما أصادفهم فجأة أو أسمع لغتهم في إحدى محطات المترو او المقاهي او شوارع المشتريات واللهو. وكأن الملايين منهم لا ينتظرونني لدى عودتي الى ارض الميعاد والموعد.. دقيقة بدقيقة ..ولحظة بلحظة)..يظهران فجأة ، نتبادل التحية تأتي الحافلة ..يسأل الفتى السائق : الى محطة القطار ؟ يصعدان ؟ نصعد ورائهما بعد سنتين ونصف من الإنتظار...
روما !!

5
روما!!
جادات، مقاهي، مطاعم بيتسا وباستا...الكثير الكثير من مطاعم البيتسا والباستا، رموز تاريخية عملاقة وحولها شوارع ومارة ، ناس جميلون، مشتريات، علينا وعلى المشتريات ،المزيد والمزيد من المشتريات..نزحف انا وريري بأكياس مشترياتنا بين الممرات المزركشة بالمزيد، نستريح هنا نتناول القهوة ، ثم البوظة ، ثم نتحدث عن منظومة علاقاتنا الشائكة أصلا ..أكثر من تشابك هذه المدينة مع عواميد ساحاتها التي تشبه القضبان الذكرية الجاهزة للإيلاج داخل قداسة السماء ..إذا.. جادات، مقاهي، مطاعم بيتسا وباستا...الكثير الكثير من مطاعم البيتسا والباستا، رموز تاريخية عملاقة وحولها شوارع ومارة ، ناس جميلون..ولكن بلا روح..وما هي الروح سوى ما نتوقعة منها؟
نعود في الليل الى محطة قطارات الأنفاق النائية خارج روما ، علينا انتظار تلك الحافلة الوهمية (نكتة الموسم) يقترب منا الشاب الإسرائيلي ، تتبعه أمه ..نمضي سويا أربعتنا نحو اللا-فندق ...لا اعرف من يسبق من..
فربما نصل..
(اكتوبر2009)

الخميس، 1 أكتوبر 2009

صالة عرض

يد تتدحرج على الأريكة
تتحسس نتوئاتها التي فتتها الزمان وحولها الى دموع بلورية/
صوت اوبرالي موجوع يصفع بقعة ضوء زرقاء/
بقعة ضوء حمراء تسيل دماءً غير مبررة...! /
أريكة مخملية داخل صالة/
سيارة إسعاف تنقل امرأة غُدرت لتوها/
ينتظر ابنها بائع الكعك بالسمسم عند الرصيف المقابل/
وسادة مخملية مغبرة بالمعرفة/
تتفحص الراقصة حدود حنينها الى
لحن لم ترقص على احتمالاته
بعد../
ينفجر الضوء البرتقالي داخل بؤرة كانت قبل لحظات
مرتع للفئران الجائعة الى معنى/
///
يصحب الأب الأعرج خارج المبنى الدخيل فتاته المعاقة
بعد أن طردهم الطبيب...
"لم أعد أقوى على احتمال تعاستكم..لم أعد.."/

تنساب اليد النظيفة على الأريكة من جديد/
...تداعبها كلمات وتقول..
"هيا نحتفي بطهارتك الراقصة...بفردانيتك النخبوية
ها هي الموسيقى تحاول أن تحيي ذكرى
كل ما اختفت أثاره من محيط الجدوى "
في الخارج:
صفارة إنذار تحوم حول جسم مشبوهة شهوته.../
رجل يصحب ظلا يحتضر.. الى المشفى المعتم /
طفلة لم تجمع قرشا عند تحويلة الدهر الخائن/
معلم يداعب نهد طالبته بشغف أبوي متقلب/
قطة تضع صغارها الخمسة وتفر..مذعورة من قرع الاحتياج .../
...
تلاحق بقعة الضوء عنق الراقصة
ثم تعتذر /
ثم تنفث الكواليس شوقا في غير مكانه/
ثم حيرة
ثم عتمة
وتنفجر سيارة مفخخة بالأسئلة
في الخارج...