الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

أكاذيب صيفية صغيرة!

الأربعاء مساءً، أجلس على إحدى البنوك العريضة التي انشأت قرب "بيت صهيونيي أمريكا" في شارع ايفن جفيرول بعد ترميمه وتحويله الى جادة مدينية حالمة وسط تل أبيب ، جادة تقطع المدينة من جنوبها البائس الى شمالها المترف ، كم تشبه هذه الجادة نظيرتها سان جرمان في قلب باريس!...

كذبة1: لا تشبه هذه الجادة المرممة سوى شارع في احقر ضواحي باريس التي تنتشر فيها روائح البول والشوارما ومخلفات السوائل المنوية.

أجلس ها هنا في مكان قرب المكان ، عند عصرونة تختصر الوقت والسابلة والحيوات المتقاطعة بعذوبة خياراتها ،أمرر لحظاتي..وضوضاء صمتى عند زاوية تغترب فارة من كل سؤال ، لغات ..لغات تداعب العبث المترقرق من بين أناملي...عبرية، روسية، فرنسية، إسبانية، انجليزية ...

كذبة2: أشعر أنني سأموت بعد قليل ، تكاد نسبة الرطوبة أن تلامس حاجز ال-%90 ولا متسع لي لأحصي قطرات الكراهية!

أشترى لنفسي كوبا بلاستيكيا أنيقا من القهوة المثلجة ..ما ألذها ..هي بطعم الحرية!

كذبة 3: لا قهوة في القهوة المثلجة هذه ولا أكاد أتذوق طعم السكر، وكأنني "أسّف" جليدا مهروسا بلا طابع، يا الهي ثمة قطعة ثلج تصعق لي دماغي.. إنه يكاد ينفجر!

يجلس بقربي زوجان – رجل وإمرأة متحابان، يتكلمان الإسبانية ويضعان بينهما كيس من التين..من كان يفكر مرة أن تصبح بلادنا بهذه العالمية والانفتاح القاري الممتع والمنعش ...

كذبة 4: أكره التين

يقبلها فتلعق له حلقة "البيرسينج" المغروسة في حاجبه الأيمن

كذبة 5: يتمنى أن تدهسها حافلة ليكمل رحلته في الشرق وحيداً.

تتشابك أيديهم بوله منفلت نحو اللانهاية ...

كذبة 6: نسي بالصدفة أن يخبرها بأنه مثلي، يعشق الرجال وكل شيء فيهم

يقترب مني رجل متسول ، ينظر الي طويلا ...يتفحص إن كان معي ما يستحق الذل.

كذبة 7: القهوة المثلجة تحولت الى حليب قطط مجمد

يتوجه الى الزوجين الإسبانيين الحالمين...يطلب منهم حبة تين..يختل التوازن الصلب المستشري بينهما
... حسنا باستطاعتك ان تأخذ واحدة ولكننا حسبناكم هنا تعيشون بين التين..تتنفسون تين..

كذبة 8 : يملك هذا المتسول قصرا في شمال يافا

يتلقى الجالس بقربي هاتفا..."ولكنك تعرفين كم أنا أحبك"...

كذبة 9: لم يخبرها انه يحمل فيروس أنفلونزا الخنازير كي لا تتركه وتهرب

إذا نلتقي في المطعم في "نفيه تسيدك"

كذبة 10 : حي "المنشية" العربي في يافا

اتلقى هاتفا، أين أنت؟ في "نفيه تسيدك"..

كذبة 11 : في ايفن جفيرول قرب "بيت صهيونيي أمريكا"..

وماذا تفعل هناك؟ أبحث عن ذاتي J

كذبة 12: سأنهار من التعب ولكنني لا أريد العودة الى البيت كي لا اضطر

هل ترغب أن نلتقي؟ بالتأكيد

كذبة 13: لا أعرف، تكاد نسبة الرطوبة أن تلامس حاجز ال-%95 ولا متسع لي لأحصي قطرات الاشتياق!

شاهدت فيلم "برونو"؟ لا لقد وعدتك..ألا أشاهده بدونك

كذبة 14: لقد شاهدت فيلم "برونو" لوحدي ومن غيرك كي أتجنب الحرج

ها أنا أشاهد برونو مرة أخرى خلال أسبوع واحد...

في غرفة الإنتظار

كاللاشيء اجلس في غرفة الإنتظار أو في غرفة الزيارة حيث يتم تقطير العذاب ليباع في أشهر جادات العالم، جلدا لحقائب وساعات "لويس فيوتون"..في غرفة الزيارة تتضح المعالم فجأة..كم خدعتنا هذه الحياة وكم صفعتنا ...كم مرة صفعتنا ! كيف مر هذا العمر وهي تصفعنا أمام تمثال عذراء لا ينزف حتى دنسا مؤجلاً...كالأبله أجلس في غرفة الإنتظار ، لا أقوى حتى على النظر في عيون عاجزة، متوسلة ...تتوسل إلي كي أصحح بعضا مما قد تم حسابه بشكل خاطئ مما أدى بالتالي لسلسلة لا تنتهي من النتائج اللامنطقية واللاعدل وبالتالي الإحساس الذي لا ينضب بما يسمى "القهر" ..ولكنني لا أقدر حتى على التنفس، فالمكيف لا يعمل ، ولا يوجد منفذ للهواء..اي منفذ! أصلا لا توجد مكيفات في هكذا أماكن... إنها الجحيم بعينه ...
تقول لي غيمة القيظ:
- خذ ورقة وقلم وسجل الخطوات التي يتوجب علينا اتخاذها لنقوّم قليلا من انعكاسات ورطة الظلم هذه !
فلنحاول الا نبالغ...هذا ليس ظلما بمعنى الظلم إنه نوع من سوء الفهم..سوء الفهم المفرط أحيانا ،فالأمور ليست حبكة في مسلسل سوري رمضاني عن العشوائيات ولا هي محكمة الى هذا الحد السافر والمبتذل..على كل حال أنا آسف...آسف على كل شيء وعلى عجزي هذا ...وعلى أنني لا شيء سوى كاتب استعراضي بالكاد ينظّر على ذاته ..ويفهمها أصلا...آسف ايها الوجع الجاحظ ...المفتوحة ذراعيه على وسعها ...آسف ايتها الشاة المسحوبة نحو السلخ وهي تنظر الي دامعة متهكمة في آن.. وانت أيا طفل يبكي ولا يجد لأحشاء دميته سبيلا..اسف ايها الوجع سهل التحضير...
اشعر بالموت يقترب ولا أجد منفذا الى هذا السهل الرحب، الحار، الرطب ، السمج، لماذا لا يدخل ثعبان مثلا كي ننشغل عن يقظتنا المالحة بخوفنا منه.
احاول ان أتمتم أغنية خريفية علّي أتحول ورقا اصفرا تنثره الريح بعيدا بعيدا من هنا وبأسرع طريقة:
" رجع أيلول وانت بعيد بليلة حزينة ومطرحو...ورقه الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك"...
تعاودني غيمة القيظ وقد أصبحت تفقد كثافتها استعدادا للغروب:
-سجلت ما أمليته عليك؟ هذه فرصتنا الفريدة لمواجهة صناعة السحر المتنامية والمتكلفة هذه. هل تفهم؟
يدخل تمرجي المصّح، مسكين! عن قصد أو دون قصد هو يشبه في لغة جسده وطريقة كلامه ، التمرجية من شاكلته في الأفلام المصرية النمطية أولئك الفاسدون الذين يتاجرون وينكلّون بالنزلاء:
- لماذا تجلسون هنا؟ اجلسوا في الغرفة المكيّفة هنا...لا تنسوا ، الزيارة حتى السابعة..
يفتح بابا يفضي الى حيز ابيض بارد بنكهة الفردوس وامرأة تعانق رجلا ببراءة مطعمة بحزن طفولي...
يتسلل ما تبقى من روحي خارجا عبر دخان سيجارة متخيلة..

الناصرة
أيلول 2009

عم يلعبوا الولاد

1
أقف عند حدود وهمية متاحة للكبار في جنة الألعاب الطفولية المحتدة في نهايات الصيف الوهمي هو أيضا..سوء فهم مزمن يحكم هذا الوجود المقتطع من نكتة تاريخية غير مضحكة، هل يعرف هذان الولدان شيئا
عن ملابسات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، والإسرائيلي العربي والفلسطيني العربي والفلسطيني الفلسطيني والشرقي الغربي والإسلامي اليهودي والإيراني السعودي و..و..حتى يتحابا بهذا الشكل المحرج ..وما أنا بفاعل؟ ..يعطي الطفل الثاني طفلي الأول طابة حمراء صغيرة انهكتها بصمات الطفولة المنزوعة عن المكان والملقاة في مكان..ماذا يعرف هؤلاء كي يتحابا بهذا الشكل..ما الذي يعرفانه عن لذة الكراهية والرعشة التي يبعثها البغض في البدن...قد يذل الطفل الثاني الطفل الأول في مطار بن غوريون الدولى وهو يبحث في كل فتحاته الممكنة عن طابة بلورية حمراء من كبرياء...
يتكلم الرجل الأشقر الطويل مع الطفل الثاني إنجليزية مطعمة بعبرية ولغة ثالثة أخرى غريبة ويشرح له بمنهج تربوي غربي اسماء الحيوانات وملاحظات عن حياتها (متجاهلا حيثيات نفوقها) والنباتات وانتشارها في ارض اسرائيل وأسرار ذلك..وكأن كل شيء كان قد أعد مسبقا قبل دهور..ما هذه الأسماء يا ربة كنعان ..لا تقترب مني أيها المستوطن الإفتراضي ...لكن ماذا يهم ؟ جميعنا مستوطنون على هذه الأرض ...
يقذف طفلي الأول الكرة الحمراء ذاتها فترتطم في وجه بنت تحبوا قرب الخروف الليلكي وتلملم ما تناثر ارضا من حروف القهر ..تستحيل الكرة الحمراء زهرة مفترسة كحلّ انتقالي..أو مرحلي كما يقولون..

2
ها انا اقف عند موقف الحافلات، يعبر باص رقم 40 تضع الفتاة الشاحبة خدها على الزجاج الملوث..في الداخل تحتمي عيونها بجسور وأنفاق المدينة وبانعكاسات أبراجها المنتصبة الجاهزة للإيلاج في ثقب التاريخ والجغرافية في أية لحظة معطاة ..تحتمي بجسر المشاة فوقها وفوق الحافلة ..يقطع صخب جماعة الفتية اللاجئين من دارفور حبل أفكارها..يتحدث زعيم الشلة عن مغامراته هو وأمه حين عبرا الحدود السودانية المصرية فالمصرية الإسرائلية فالإسرائيلية الفلسطينية فالعربية الإسرائيلية فالفلسطينية الفلسطينية فالشرقية الغربية فالإسلامية اليهودية فالإيرانية السعودية فالموالاتية المعارضاتية ..في طريقهم الى أرض البرتقال المهندس وراثيا..يقول الزعيم الدارفوري: هل تشاهدون ، رصاصة الجندي المصري لا تزال في جيبي!
تحتمي الفتاة الشاحبة بخيالات جسر عملاق تتوارى جثث القطط المتعفنة بين اعمدته ..تحتمي من لحظة حميمية واحدة ستجمعها بعد قليل مع امها وأخيها حول ذكريات طفولة بعيدة في قرية قرب تشرنوبيل، عندما تحولت الطابة الحمراء الى كتلة صفراء من الحيرة.
3
ها انا أقف هنا ، قبالة سنواتي التسع ، بفارق سنتين بين النبضة والأخرى ..ثمة خطأ في الحساب ولكن ولإعتبارات بلاغية ..ها انا اقف للمرة الألف خلال تسع لحظات متداخلة ، أحاول تأجيل جذوتي كي اتمكن من نطقها..(كلمة الحب) ..قبل أن يطلق سوء الفهم المزمن المبكي منيه من جديد ...ها هي الفرصة تذوي ..كرة حمراء تصبح فحما في قلبي..
أواخر اب 2009

في بلد المقاهي

مع خجل الخريف أجلس في مقهى في تلك المدينة التي يحملّون مرادفات أسمها أكثر بكثير مما قد تتحمل هشاشة عزلتها أو عزلتها الاختيارية أو فلنقل انعزاليتها المدججة بالمعاني...
يقترب النادل الأشقر بالجسد الفتي ، المتسفع بمنهجية مبكية..يقف عند حافة مائدتي المؤقته جدا جدا.. ويقول لي بعبرية ذكورية ..عبرية تميز لغة الجند الأعظم والتلفاز ، يخيل الي انه ومن دون قصد يتكيء بقضيبه على حافة مائدتي تلك ، هنالك حافة وهنالك مائدة وهنالك كون يتكئ على ذكرك الآن الذي يتكيء بدوره على مائدتي..زاويتي، يسألني بلهجته القبيحة:
- هل قررت ماذا تتناول يا أخي
- (لست أخاك ولن أكون كذلك) قررت شرب كابوتشينو مع وجبة مضاعفة من الإسبرسو ، كعكة فوندنت ساخنة بدون كرات بوظة من فضلك...بليز من فضلك .ساخنة جدا ومن دون بوظة.و صودا..
- أحلا*
- آه و منفضة سجائر من فضلك
- أحلا

يتحول نظر النادل عني وينزلق نحو المائدة المجاورة
- عيران أخي ما هي أخبارك، ما الجديد؟
- كيف أمورك أنت !ماذا تفعل هنا في تل أبيب؟
- لا شيء ، أتسكع مع صديقتي قبل الأعياد ؟ بانتظار هذه الفظاعة
- صبابا
- صبابا عليك، ماذا عن الجيش؟ انتهت خدمتك ؟
- نعم ، تحررت سريعا كنت اخدم هنا قريبا.. في القيادة، وأنت ماذا عنك
- الظاهر انني سأتلقى تثبيتا في الجيش، انت تعرف ! هناك في المناطق في كتيبة "موشيك"
- أحلا
- بحلا
- صبابا
- صبابا
- رائع
- مذهل
- لو سمحت ؟ قهوتي؟ الفوندنت الذي أعشق؟ الخريف الذي بدأت بشائره تزحف.. أريد طلبي قبل ان تنسحب احتمالات الطراوة ويعود الحرّ ليعصف بجذور أعصابي من جديد

تتكيء مؤخرته الآن على حافة وجودي..بحيث يمكنني قراءة ماركة سرواله الداخلي والتحقق من زيفها

-آسف أخي، حالا
-جيد
-أحلا
-ممتاز
- صبابا

ثمة عادة سخيفة كنت أمارسها في نهاية التسعينيات وبدايات الألفين اثناء إقاماتي القصيرة أو الطويلة الأوروبية منها خاصة ..وتتمثل هذه العادة بتفحص الشارع الذي أنزل فيه جيدا ومن ثم القيام بإختيار مقهى معين ويكون هذا المقهى هو العنوان الرئيسي لسيجارتي وقهوتي الأولى في الصباح أو في الظهيرة ...كل صباح..نفس المقهى ..نفس النادل/ة ...ونفس الطلب ...حتى ان نادلة باريسية توجهت الي بعد شهر من ذات الطلب -الطاولة - زاوية الجلوس منكسرة ..تقترح علي تذوّق حساءهم الخاص او شرب أي شيء..أي شيء آخر ..
ولكنني وبعد ان عدت بعدها بعامين معتقدا أنها ستنهار تأثرا لدى رؤيتي ..لم تعرفني..لا هي ولا عشرات النادلين والنادلات في عواصم أوروبا والجزر البريطانية ومدنها ..
إنها رغبة ساذجة (ومثيرة للشفقة أحيانا) بخلق حميمية بينك وبين مدينة ما وكأنك تقيم فيها من خلال مقهى يومي ما وطلب ثابت وحوار صامت مع نادل أو نادلة ..وكأن تلك العلاقة الهشة ستطيل من أيامك فيها وستحول الزيارة الى إقامة ...إنه الإعتقاد الوهمي لدى سائح في بلد ما بأنه ليس بسائح وبأنه يملك أكثر من مجرد مفتاح غرفة عابرة في مدينة عابرة..
وهذا ما يريح هنا..
النادلون يتحدثون مع رواد المقهى عن الجيش وأقسامه وخباياه ، وبلغة هي أصلا كريهة ومبتذلة وغير مفهومة وكل النادلون يعتبرونني أخا (أخا أكبر) ...والمقاهي؟؟ماذا أقول..هي حميمية ولكن ليست بدرجة قد تورطك وتلقي بك في هاوية شعورية جارفة
أما اللغة فهي بالفعل كريهة..كريهة جدا..وإن ذلك لمريح...
..
- الحساب ان سمحت
- دقيقة أخي
- جيد
- هل أعرفك من مكان ما؟؟ من الجيش ربما
- لا ،لا لا لست من هنا ، لست من هنا...انا من أوروبا بالأصل.. أنا لست من هنا..
تل ابيب
أيلول 2009

*مصطلح دارج بالعبرية تمت استعارته من العربية والقصد منه "تمام" أو"ممتاز".

ماذا الذي قاله يوسف إذا!

1
لا شك أن مسرحية "إذ قال يوسف" هي أحدى المحطات الثقافية البارزة التي قدمت محليا ولنقل فلسطينيا في هذا العام بسبب تضافر العناصر الإبداعية ، التمثيلية والإنتاجية لإطلاق هذا العمل ...ولكن هل هذا يكفي؟
تكمن مشكلة الكتابة عن هذه المسرحية من أثر الحملة الترويجية التي استبقتها ، أثرها على الجمهور وعلى المشهد الثقافي فالحملة لم تكن مجرد تسويق في إطار المعقول قبل العرض الأول بل أنها جاءت مطعمة بالتبجيل الذاتي والتبجيل الجماعي حتى قبل العرض الأول للعمل ، فالمكان الذي يضعك فيه القيمون على هذا لا مجال بعده سوى الى التهاوي مع توقعاتك أو بالأحرى التهاوي لدى ارتطام التوقعات المعدة سلفا مع النتائج . لا أعرف أحدا في حيفا لم يروج لهذا العمل ويبجله ولا أعرف أحدا في حيفا لم يرسل لي دعوة لحضور العمل أو بوستر له وهكذا سواء كان ذلك من خلال الفيسبوك أو البريد الألكتروني فكأن مدينة كاملة تطبّل لمسرحية، وقد يقول قائل أن هذه طريقة ذكية لتعبئة قاعة العرض على مدار ثلاث ليال متتالية ولكنها وبأثر عكسي تضع العمل في مأزق تبرير ذلك وهنا يكمن الخطأ ولنقل هنا جاءت الإشكالية ، فتبجيل العمل قبل عرضه جاء من من تربطهم علاقات قربى وصداقة وزمالة بعناصر العمل (وهم كثر) مما أبقى الجمهور (الآخر) في حالة من الخجل من كيفية وجوب تعبيره عن ردة فعله بعد المسرحية بسبب الإجماع المحيط والمقنّع في الغالب..وهذا لا يعيدنا أو لا يبقينا سوى في مناخ ثقافة "البلدة الصغيرة النائية" التي لا مهرب لجمهورها من القليل الذي يقدم لها مع ما يرافق ذلك من حرج نقدي يخلق جمهورا غير واع أصلا.

2
"إذ قال يوسف" عمل لا يتميز بشيء سوى بكونه هو ، وهو نتاج جهد جماعي من مجموعة "شبر حر" بالاشتراك مع مسرح young pic في لندن، تتحدث المسرحية عن النكبة التي عصفت بقرية "بيسمون" في شمال فلسطين من خلال يوسف وعلي، أخوان في مقتبل العمر تربطهما علاقة غريبة و معقدة. علي القوي الوسيم العاشق، ويوسف البسيط طيب القلب المُتَعلق بأخيه.
تأتي خيبتي الكبرى والشخصية من العمل من طريقة طرحه للنكبة –التي جاءت جافة وتقليدية ودون أي تحوير وخاصة اننا في زمن (ادبي على الأقل) تعاد فيه قراءة أحداث النكبة وتداعياتها من جديد وخاصة حكاية سقوط المدن الكبرى كحيفا ويافا ، فجاءت الحوارات طويلة مطعمة بخطب صماء وشعارات نكبوية وبكائيات غير مقنعة ومعدة مسبقا ولا تفضي الى أي مكان ولا الى تطور الخطوط الدرامية بين الأخوين يوسف وعلي وبين علي وحبيبته ندى.
يقف الممثل المبدع عامر حليحل وحيدا على الخشبة تقريبا ، يحاول في مشاهد طويلة أن يسند العمل بذراعية وبموهبته الجبارة، فتأتي ممثلة تؤدي بمستوى "يوم الطالب" فيجاهد ويجاهد ولكن أحيانا عبثا...كما لا تسعفه مونولوجات الولولة والندب الطويلة والتي يمكن اقتطاعها الى الثلث ولا الأداء الإستعراضي والتهريجي أحيانا ليوسف ابو وردة ولا التمثيل القديم والكاريكاتيري لسلوى نقارة وخاصة عند تقمصها دور المرأة الريفية. ولا الإداء الأحادي وغير المتلون لعلي سليمان.
تكمن مشكلة هذا العمل في الفجوة الهائلة بين النص وبين الإخراج الرائع وخاصة فكرة الفيضان المبدعة بالنصف الثاني من العرض(حتى أنني كدت اختنق بحق من أثر الماء)، وأقولها بصراحة كان على المخرج التخلي عن الصياغة النهائية للنص لكاتب مختص ولصالح رؤية إخرجية أكثر تكثيفا وحدة، وسردا نكبويا أكثر حداثوية.