الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

كيتش ميلادي


1
أيا ذلك الطفل الذي يقف أم بائع الكستناء ليلة الميلاد و...بلا بلا بلا ...
أنا ذلك الطفل الذي كان يقف أم بائع الفستق الحلبي في ليلة الميلاد وتسيل من عينه اليمنى دمعة تحمل بين هشاشتها.. مذوذ...(أوف ما هذا الكيتش الميلادي)
فلنحاول من جديد...
مرة اخرى ...
إيه ذاك الصبي الأشقر على استحياء والذي يقف هو وفأره الصغير الذي يعتمر قبعة حمراء نسجتها التراجيديا قرب عامود مزركش بفرح الميلاد المتماجن مع سحر رموشه ينتظر أن يستعير أبا وأما وشيخ عيد وشجرة مزينة بالدفء ...لليلة واحدة تنتهي أبان الفجر بقليل أو أكثر ...على امل ان يتحول ندف الثلج الذي لا يتساقط ، الى أسطورة بحبكة بوليسية واهية..
فلنحاول ان نضبط الأمور...
طفل ينتظر قرب حاوية قمامة عملاقة تسيل شمبانيا مجمدة ورائحة صنوبر رطب ...تعبر سيارة سوداء فارهة محشوة برجل ازرق العينين ، طويل له كرش صغيرة وخاتم ماسي يعكس نجمة العيد الوقحة ..والسيارة محشوة ايضا بإمرأة جميلة ملفوفة من أخمصها بالجلد...جلد القنافذ وجلد الأفاعي وجلد الأسماك وجلد العبيد اللذين عبروا بين ارجاء العائلة على مدار أجيال وأجيال ..كما أن السيارة محشوة بأولاد وبنات كثر لا حصر لهم ولا ملامح ...كلهم شقر، بيض، يلبسون بتراتب فتاك الأحمر والأخضر والأسود والأبيض (ليس دلالة على علم فلسطين: لا سمح الله) ..السيارة مزينة بالأنوار المتلألأة والأشرطة الحمراء والخضراء وفتات الثلج العالق أبدا ...تنفلق السعادة من عيون كتلة الأولاد ..تنشطر ..تتفتت ..تهيل..تتدفق ...تحاول اللحاق بضوء نجمة العيد الذي يبدو انها لم تكن وقحة الى تلك الدرجة...تنفلق السعادة، تتدفق من بين بريق أحمر شفاه السيدة السادية التي تطفيء سجائرها على خاصرة خادمتها السودانية..تنفلق السعادة ، تتدفق من بين ثنايا فحولة الرجل الأزرق العينين وهو يتذكر باسما كالعاهرة كالمني المتسارع من قضيبه الوردي الضخم بعد أن التهمته بائعة العاب العيد الروسية في غرفة الدببة والأرانب النائمين ..تتدفق السعادة من الشارب الباسم لرب العائلة السعيد ضمنا بسرعة ذوبان الكحول بالماء المر...
طفل ينتظر قرب حاوية قمامة عملاقة يرتجف من ضجيج الوحدة، يقترب منه غزال صغير أنفه عبارة عن بلورة حمراء مضيئة ..تشع رقة وعذوبة..يلعق الغزال خد الطفل فتتفكك نجمة الهيد وتتحول الى مسحوق براق، أطياف وجوه...وفرط سعادة..
2
لا ازال طفلا يقف امام بائع الكستناء والفستق الحلبي ..يدخل "ميشو" الولد الذي يلازمني ظله كاللعنة كل ليلة ميلاد من جديد ...يطلب من البائع ارطالا وأرطالا من الكستناء والمكسرات والبذورات والبذورات المطلية بالسكاكر مما لذ وطاب...يتركني البائع، يهملني وكأنه يقول لي : من الأفضل ان تعود الى بيتكم البارد، البائس الوحيد فأمثالكم لا يستحقون أو لا يستوفون شروط وحجم مسؤولية فرحة هذا العيد..كيف تجرأتم أن تكونوا بهذا المقدار من التعاسة امام استحقاق كهذا للسعادة...
ولكن هذا انا وذاك بيتي ..واريد ببضع شواقل، كستناء للشي..

يحمل "ميشو" الأكياس المحملة بأسباب السعادة ويمضي الى العربة الحمراء اللامعة التي تنتظره وهي تكاد تختنق من البهجة...ينغمس "ميشو" في سعادة سرمدية لا مثيل لها ولا تنتهي ، وهي جزء منه ..من تكوينه ..لا خيار آخر امامه سوى استنشاق عبق صنوبر الشجرة المرصعة بحكايات بيت لحم ويهودا والسامرة طوال الليلة...لا سيناريو بديل لليلة الميلاد لدى "ميشو"...لا انقطاع للتيار الكهربائي...لا فيضان لمياه السيول التي تجرف المذوذ ومن فيه...لا تكسير زجاجات فارغة على رؤوس الجالسين حول المائدة...لا عراك بالأيدي مع بابا نويل بسبب تأخيره بالوصول او ربما تبكيره..لا انعدام تاريخي متجذر لبابا نويل أصلا ..لا برد عضوي متأصل ومتوارث عبر الجينات...لا سؤال بمعنى "لماذا؟" ...لا غياب لليلة ميلاد واحدة..بمعنى –واحدة- طبيعية كالبشر...
يمضي ميشو الى فرط سعادته غير المشروطة ...
اتناول حبات الكستناء ، وأجلس قرب حاوية القمامة المزينة... يقترب مني غزال صغير أنفه عبارة عن بلورة حمراء مضيئة ..تشع رقة وعذوبة..يلعق الغزال خدي..ويجلس قربي...بينما سيجد الشرطي الأمريكي "ميشو" مشنوقا في غرفته ليلة الميلاد بعد ذلك بثلاثين عاما إثر خسارته لوجبة الرهان الأخير. أوعدكم.

ميلاد 2009

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

صفير الأماكن*

1
تتعطل سيارتي
اقف كالكائن الهش ، الخائف المبتل المنتوف الريش الذي لا حول ولا قوة له ولا لمن قبله او بعده وسواهم الأحياء منهم والأموات ...
لا اقوى على تغيير الإطار ولا أعرف كيف ؟(فسواق papa كان يقوم بهذه المهام بدلي، قبل ان تبذر maman كل ما بحوزتنا من مال وجاه وجمال وأخلاق – كان السواق يقوم بخدمات جسدية متنوعة وأخرى لأفراد العائلة إضافة الى مهام امتطاء المقود وبعث الحياة داخل الوقود الى أن يذوي ويتبخر ميتا معاتبا، كما كان السواق ينتظر نوم الجميع ليبحث بين وحل الشتاء ورائحة عفونة الساحات الخلفية عن مبتدأ مكيدة ، عن شرارة مأساة وعن سر مدمر او كذبة قد تحرق الأخضر واليابس مما لم يكن موجودا بعد ومن السراب-هل شاهد احدٌ حريق سراب مرة)
إذا أقرر ترك عربتي والفرار ..فبداخلي ما يكفي من حقول تنتظر جرافات تنبش بجوفها لتستخرج سوائل شفافة لا تخفف حتى من آثار حمى عابرة...كي لا نقول قاتلة ..بأثر رجعي..

2
تتعطل سيارتي
الحظ ضوءً ابيضا قويا يقترب مني...ووفق منطق مايك لي السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهي وهو سيعبرمن اول النفق الى آخر عظمة في الجسد..
تقف سيارة. اعتليها..
- ارجوك خذني من هنا ، بحيث تتحول هذه الرائحة الى مجرد رائحة ذكرى، او خدعة عطرية
- الى اين؟ اين تسكن؟
- لا أعرف
- لا تعرف الى اين تذهب ؟ ام اين تسكن؟
- كلاهما
- لم التق بحياتي بشخص لا يعرف اين يسكن! من انت يا هذا؟ ولماذا يخيل لي انني اراك في كل مكان ومحفل والتفافة طرق وكأنك ساحر او جني يمر قرب كل مفترق او تحويلة او ميدان مات فيه عشرات الأنس دهسا أو قتلا أو انتحارا ...
- لا، انا ببساطة لا اسكن في أي مكان ، احاول صياغة ابجديات علاقة مع الأماكن والأشخاص والهواء كل مرة من جديد وما ان يبدأ الشريط بالتثبت حقا لتولد رتابة نوعية، معينة ما..حتى أغادر الى مكان آخر احاول فيه صياغة ابجديات علاقة...الخ الخ ...
- مثير، تجاذب مثير بالفعل...
- ثم أعود الى المكان الأول مرة اخرى واحاول صياغة تلك الأبجديات ...ولكن الصياغات ليست متشابهة دائما بمعنى انها قد تجلب فرحا مقلقا او مأساة لزجة بطعم التفكك...
3
نلحظ ضوءً ابيضا قويا يقترب منا...ووفق منطق مايك لي السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهنا سيعبر متخايلا من اول النفق الى آخر قطرة من زفير..زفيري..زفيرنا..لا يهم ..

اعاتبه بصمت...
- لماذا لم تقترح علي تغيير إطار العربة؟
- انا افر من مثل هذه الأماكن، ثمة ما ينتظرني دائما ، ما هو أهم ، لا وقت لدي ، لا وقت لدي لإطفاء حرائق اللا-يقين.
- لا افهم! ما الذي ينتظرك؟
- طفل صغير في بيت جبلي منسي عند قمة تلة مطلة على بحيرة من لؤلؤ، لا يعرف الطفل سوى انتظاري وسوى حاجته لي ولوجودي الذي هو تتمة لوجوده وسببا له ...
- وهل ينتظر لوحده في البيت البعيد؟
- نعم ، تنتظرني وحدته
- -ولكن!!!
- كما تنتظرني مدينة أسرار تعج بصخب السؤال ، يثور من بين جدارات ابراجها زبد من دموع واسئلة واحمر شفاه ونجوم مسحوقة وعرق بعد دنس ومني دافئ ولعاب شبق وسحر حانة بأخضر معمق وتوسلات الباعة وعبق القهوة وخرير إعدادها وكحل عيون وكحل يسيح وكحل يلطخ عنقا تم لعقه منذ قليل في حفلة بدأت ولن تنتهي.. وكحل يذوب داخل زبد..وهكذا..
- ولكن!!!
4
اترك العربة المستديمة ...
أصل الى مكان جديد، كنت فيه كل حياتي، احاول استيعاب ملامحه .. احاول صياغة ابجديات علاقة ما معه كانت قد انقطعت إثر مغادرتي اياه بطقوس بدت دراماتيكية وقتها...وكأنها لم تكن مخططة منذ دهور ...
تجدني اعود بعد ثلاثة أيام الى نفس احداثيات تواجد سيارتي وإطارها الخلفي الأيسر الذابل ، أقف قربها، أتأمل ضمور الإطار (فمع ذلك علمني سواق papa استخدام المواقف الحرجة كذريعة لتأجيل النظر في المرآة)..
الحظ ضوءً ابيضا قويا يقترب مني...ووفق منطق خالد يوسف السينمائي فإن ذلك عبارة عن قطار هادر باتجاهي وسيحملني وسيارتي الى قرية في صعيد الهمس..

ديسمبر(2009)
*شخصيات هذا النص وهمية الى ابعد الحدود

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

حواف الخطر

1
نهاية الأسبوع، طريق الناصرة-حيفا ، لا اعرف كم من السنين المتراصة قضيت على هذه الطريق
ذهابا
إيابا
محاولات حب
هروب من عبث
لا أذكر شيئا مثلا من الطريق الساحلية أو شارع عابر إسرائيل..بمعنى انني لم اشكل ذاكرة بعد هناك ...فتلك طرق دولية (توصل بين دول حدودها موصودة) ، باردة ، سريعة لا سبيل لخلق حكايات حدثت او لم تحدث فيها ، حتى التبول صعب هناك، فقد تمر شاحنة مهرولة وتسحقك وتحولك الى عجينة من الأفكار المشتهاة ..
وانا لا اريد ان اموت هكذا...

2
نهاية اسبوع
اياب
من حيفا الى الناصرة
ها انا احتفل اليوم بالذكرى الرابعة او ربما الخامسة ل.... لماذا ؟
لإمتطاء الخطر ؟ أو لتحويل المخاطرة الى واقع يومي ملموس ومعاش، أمضغ ثناياه واتماجن معه ..كل يوم..
وليس في المواسم والإجازات والسويعات المسروقة من من أكره...
//
هذه الطريق لنا ، طريقنا..تلخص ما مررنا به ، انها داخلية ، حميمة كالجنين ..تلخص ما مر بنا من لا يقين ..يحلق المرج بي..يرفعني الى أعلى ، أشرع النوافذ على آخرها...هنا بكيت، وهنا قررت الفرار، وهنا تبادلنا الحب، وهنا اردت ان القي بمن تجلس بجانبي الى مصيرها الأخلاقي...الطبيعي ..اللذيذ..هنا تعطلت العربة بي وبابي عندما اوصلني الى مساكن الطلبة لأول مرة...هنا قررت الخيانة ..والكذب..وارتكاب جريمة العيش...حول حواف الخطر...ينتهي المرج ويصفعني الكرمل..

3
أطراف نهاية اسبوع
من الناصرة الى حيفا
فلنحاول مرة أخرى :
احتفل اليوم بالذكرى السادسة والثلث لكتابتي هذه (عندما كان الخطر محدقا ..دون فائدة..فلنقل هباءً):
)حافة 1)أسقط في بئر حزنك...أو في جنة نهديكعيناك لي...مفتوحتان الآن... تودعاننيأو تمتلكان ولعي...)حافة 2)قد أسقط اليوم في غابة فنائكأو عند انفراج رحيقك..وحدتيتزعق..عند قناة مشجرة بالعذوبةوحانة دهر جريح..)حافة 3)سقطت بين حبتي مطر...في انعطافة تحت جسر... انتظر...أنا طفلك المختبىء خلف الوهمأم..مخلوق للبرد... عبدا لأبخرة تلك المدن
)حافة 4)سقطت في أحضان... طيف جسد..لم يتبق لي ما أقول..لم استطع استدعاء نفس متجدد..تعثرت في ممر من حديقة اوجاعنا...لم يتبق لي ما أبيع..
)حافة 5)نتناوب على اللعب قرب الحافة...اليوم دوري...عند ألسنة حرائق غد مستحيل... سأسقطوفي سريرنا المزين بدمى مغتربة.. سألقاك
4
بداية الأسبوع
طريق الناصرة حيفا
من طاقة بخيلة اشاهد الخطر الهارب من اختياراتي ...
آه نسيت...هنا قررت تبديل المشهد الى الأبد...ولكن الى الأبد...
وبحق هذه المرة..
أذكر الآن وأنا اتأمل هذا الكلب او الذئب المدهوس على حافة الطريق والذي يتراقص الذباب عند جزيرة أحشائه كيف انهرت باكيا في (gare du nord) ذات خريف، احتجاجا على احتمالات الموت العادي ، الممل، أو الذي لا يستوفي ثمنه ..ذاك الذي كان محدقا من كل جهة ممكنة ..موت مبتذل...لقد فضل الذئب او الكلب الإنقضاض على وعد اهم في الطرف الآخر من الطريق..ودهس محتفظا بشرف الخطر ..حيث كان سيموت على اية حال من الملل او الوحدة او الجرب ...بكافة الأحوال..في ذاك الجانب...الأول....والأخير
5
في الذكرى الرابعة..
كذاك الذئب افضل الموت عند حافة الخطر الإختياري، بدل الموت حسرة ووحدة ومللا من السير بقرب الحائط ..او من الموت بسرطان ناجم عن استنشاق زائد لمادة الهيدرو سيانيد في مختبر الإحباط ...حيث اعمل...او حيث كنت اعمل وفررت ...مدججا بالأسئلة والحيرة والخوف ..وبكل ما كان في طريق الناصرة حيفا من اسرار واكاذيب وظلم وشهوة وحقد وعلقم..ها انا افرّ مدججا بي ..بي أنا..
ايه ما الذ مرارة العلقم وعسله عند حواف الخطر...
//
أو من الموت بفعل نوبة قلبية داخل مجمع تجاري في بلدة نائية لا أعرف غيره/ها
ها انا افرّ مدججا بي ..بي أنا..
ايه ما الذ ملح الشهوة والغيرة

(نوفمبر2009)

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

على حد الحلم..عند حد الجسد

1
يعاودني ذلك الحلم من جديد...
يدخل المعلم في بداية السنة الدراسية ...من منكم أضاع الفرصة الزئبقية فإنه سيعيد السنة وكل سنة أخرى حتى يتخرج ..ليس الطلاب في الصف أصغر مني بسنة مثلا ولا بسنتين ولا بعشر بل بعشرين سنة..
عشرون عاما مرت وأنا أضيع الفرصة كل مرة من جديد وبإقتدار مذهل ... أعود الى مقاعد الصف الثاني عشر لأعيد السنة مع معلم العبرية ذاته الذي لا يشيخ ، عشرون عاما من عدم القدرة على الفهم .فهم العبرية تلك.. وفهم أخطائي او أخطاء الآخرين أم ذلك الوقت الذي استغرقني كي أفهم ..احتمالات وإن كانت ضئلة ..كوني مختلف ربما؟؟ فلنقل خارج عن السرب (بتشبيه صحفي منمق) ..مغاير ..بمسار حياتي معين...مسار جدلي ..
يدخل المعلم الى الصف الدراسي في الحصة الأولى من الكينونة ..لا مفر..أنظر حولي بخجل ..كل هؤلاء الأولاد حولي..يرقصون حول مهرجان خسارتي..وهزيمتي النوعية..
يظهر أن هنالك ثأرا بيني وبين المدارس الثانوية وخاصة سنيها الأخيرة ..لسنين كثيرة يا سيد، لسنين كثيرة يا سيد.
يعاودني ذلك الحلم... كل مرة من جديد بفارق شهر من الحيرة بين المرة والأخرى .. بفارق أحدث بين فينة التقاط الأنفاس وأختها .. بفارق قاتل بين البرهة ودفق الكوارث والويلات القادمة التي تليها...
عندما دخل معلم اللغة العبرية في الحصة السابعة ، وطلب منا وضمن اختبار فجائي في الأدب التوراتي أن نجيب عن أسئلة حول النص التلمودي الأخير والذي قام هو بتعليمه قبل عشرين عاما /في الصيف الأخير ، استيقظت هلعا مفرغا سوائلي المختلفة على الحرير المعتق بتهاليل العمة جوليا.
2
بعد ذلك بعشرين عاما /ساعة ..
ها انا استلقي هنا في الغرفة المظلمة الا عن فعل إباحي متلفز مبتذل ...في مقر إطفائية أو شرطة أو سجن أو مرحاض..او في جلسة مجلس إدارة عملاق إقتصادي سرعان ما تتحوّل الى هرج ومرج جنسي جماعي غير بديل عن شيء بمعنى آخر "كيتش".
ايه نوفمبر ...
تتقطر العذوبة على جادة مشجرة مسحورة في نوفمبر
تتبختر الأيام ثملة من عاديتها في نوفمبر
نشيد رتابة مشبع بالحنين
في نوفمبر
أفكر: لماذا يراودني هذا الحلم كل مرة من جديد..إذا فكرت بالأمر مليا يتضح أن من كانوا "ملوك الصف" بمعنى متميزين في الدراسة والرياضة والتمثيل واجتماعيا أيضا ..أصبحوا الآن عاديين..رماديين.. حياتهم رتيبة لا تهم أحدا وقد ابتلوا بالشيخوخة المبكرة..وكأن الحياة كانت تتربص بهم لتعاقبهم على سنوات ألق طفولي ..قليلة فمنهم من انتحر ومنهم من جنّ ومن هم من مات بمرض عضال..أما معظم من كانوا باهتين في كل شيء(مثلي) ،بالدراسة واللهو والرياضة والصداقات وغيرها... أصبحوا على قدر كبير من ال...كيف أقولها ..استثارة الحياة؟؟ أو التقلب في حقول تنافرها
إذا لماذا هذا الحلم اللحوح؟؟
3
ايه نوفمبر ...
يتحطم زجاج الصدفة على جادة مشجرة مسحورة في نوفمبر
يتبختر الفرق بين السنوات والدقائق ثملا من فرط عاديته في نوفمبر
نشيد رتابة مشبع بالحنين الى وهم الحكايات
في نوفمبر

ها انا استلقي هنا في الغرفة المظلمة الا عن فعل إباحي متلفز منطقي ...
ينظر الى الرجل الطويل الأصلع الذي يعمل ممرضا في افينيون...قرب مرسيليا بعد ان كان قد لعق وجودي كله وظلَ وجودي أيضا خلال ساعتين وأكثر ..
هذه فرصتي لمداواة جرح المصير وثغراته التي لا تحصى .. غالبا بفضل سخريتي..
كالتلميذ النجيب ، خفيف الظل – ملك الصف افتح صدري وأتقدم ، أهاجم ..ولا أنسحب هذه المرة فقد تتغير قوانين حياتي المترفعة وتوازناتها المريحة ظاهريا ..لبضع ساعات أو لدهر..
ما السيئ بأفينيون؟ هنالك مهرجان شهير للمسرح هناك ...
- متى تغادر تل أبيب؟
- ....
- في أي فندق أنت؟
- ...
- ماذا تفعل غداً؟
- ....
- لم أزر جنوب فرنسا بعد ؟
- ...
- لوحدك في الفندق؟
- ....
- اعتقد أنني ...
- :
- وانا ايضا، وبشدة، ولكنني لست لوحدي هنا ، جئت مع صديق لي لنقضى أيامه الأخيره في هذه الحياة فهو مريض بالسرطان!

4
سيزورني ذات الحلم بعد هذا بأسبوعين .

(نوفمبر2009)

الخميس، 29 أكتوبر 2009

بر- بحر


1
استيقظ ذات صباح مستقيم ، اقتطع ماءً ساخنا من البئر الأخيرة ، اذيب فيه قليلا من السكر وابجديات الضحية , وأدير ظهري للبحر.
2
عندما سرق البحر منا تعلمنا الا نسأل عنه ، نخاف منه ، نخاف من ذلك الحد الذي يصنع لبرهة أرض، بصمة.
3
أدير ظهري للبحر إذا ، منذ أن أخبرتني جدتي أن لا بحر لنا، وأن الهضاب والتلال المنخفضة وشجر السرو والصنوبر وأشباه الينابيع وانصاف البحيرات هي ملاعبنا الأبدية ، منذ الآن. سجل عندك.
4
منذ لحظة إخباري.
5
منذ أن سرق البحر منا ، اقف عند حافة النص فتداهمني رياح نسيان، نسيان لما لم أعد أتذكر منه شيئا..ما حفنة البحر؟ ما مداها المستطيل المحدب المقوس ..السرمدي منّي.
6
منذ لحظة وصولي..
7
لا أعرف البحر ولا صوت تكسر أشلائه ولا رائحة الزبد المتخمر في بيروت والماضي الينا –لكن ما هنا وما هناك - ولا حتى ألوان العبوات البلاستيكية المتسللة من الإسكندرية شمالا.
8
لحظة سرق البحر من أبي ، علمني هو الا أسأل عنه –عن البحر- ليس هذا بحرنا يا ولدي ولا الرمل حقيقي ولا ذاك السرطان الزاحف بإتجاهنا يقصدنا نحن بل أنه في الواقع سيبصق قربنا ويمضي الى من جهزوا له عشبا طريا عذبا منذ دهر ، فلنشتري سمكتين من المقصف الجبلي المنسي ونفر عبر الهضاب والمرج الى مخبأنا ومثوانا ومرتع انتظارنا على ضفاف نبع جف..
9
صَدَفة حبلي بغيابي/ك/نا..
10
يبتلع ابي كلماته وكأنه يندم على تركه للبحر هكذا ببساطة ورميه في أحضان عشاق غرباء جاءوا من البلطيق ولم يرحلوا من يومها ، ولكن العربة المهتزة المهترئة القديمة التي تعبق برائحة الوقود وشمس الظهيرة القاتلة، تمضي بنا..بي..وبه..وبصمتنا ..وصخب أسئلتي ..وبمداواة ندوب مسلماتنا ..
11
بما ان البحر سرق منا فعلينا الحفاظ على اخلاقيات الهزائم وبالتالي عيش فقدانه حتى النخاع فلنشتر سمك "برك" يا ولدى واتركك من السمك "الحيفاوي" فنحن لا نستحقه ، نحن اتفه من ان نستحقه...أدر ظهرك للبحر..أدره..
12
ولكن لماذا ؟ لماذا نقطف الأسماك من البر لقد استلقينا على صدى الرذاذ قبل برهة وقليل..
13
علينا الإلتزام بقوانين الفقدان، يا فلذة كبدي ...
14
نهايات اكتوبر 2009، الصيف يابى ان يفارقنا ، إذا علينا انتظار مريم في محطة قطارات الشاطئ يا ولدي..أدر ظهرك للبحر ، لا تحاول حتى إختراق حاجز الفقد، العب ها هنا وكأن العالم يتجمع الآن في موقف السيارات هذا ..ينتظر هبوط محطة "فيروز" عليه في تلك المغناة السبعينية ..
15
أدير ظهري وأغني له مقطعا من "نطرونا كتير كتير عموقف دارينا..." فيهرب مني ...يفر هكذا..
16
يفتح صدره للبحر ، يجري ويجري ..اتبعه مفزوعا (فهو لم يتجاوز العام والقليل منه) ، يمضي ..يكرج على الرمل وكأنه ولد بين انثنائاته ، ينظر الي ساخرا ، يتحقق من وجودي ضمن قطر الدائرة المناسب ، لم تحن ساعة الموج بعد، يقلد صوته ، ويستلقي على الرمل هانئا ...
17
ولكن البحر سرق منا..وعلينا احترام قدس غيابه...
18
يتناثر الرمل على وجهي وملابسي وشعيرات صدري الرمادية...امتلئ رملاً ونشوة خارج وقتها..
19
يجري الطفل وراء كائن برمائي لا اعرفه ، قبل ان يرتمي ذاك في أحضان غرباء بحر الشمال...

الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

عندما يصبح لبنان فيلما إسرائيليا مزعجا

لا يمكنني أن أترجم اسم فيلم "لفانون" الى العربية لا لسبب سوى رأفة بهذا البلد الجميل المسكين الذي تركب السينما الإسرائيلية مرة أخرى على ظهره وظهر مقاومته أو مقاوماته على ألوانها لتحصد أمجادا فنية وأخلاقية مبنية على أنقاض الآخرين(وهو تخصص إسرائيلي باتت تمتاز فيه الدولة المتنورة بشتى المجالات).
فبعد "بوفور" وخدعة "فالس مع بشير" يأتي "لفانون" ليكمل ثلاثية تنظيف الأيدي والضمائر الغربية، ولكن أن تبني دولة خاصية سينماها على أسطورة شرف وأخلاقيات جيشها وتجرف بذلك أهم الجوائز العالمية والترحيب النقدي والإعلامي لثلاث سنوات متتالية فهذا ما لم يعد يطاق أبدا!
لقد ذهبت لمشاهدة "لفانون" لأعرف لماذا "تبا" فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا وهي الجائزة الكبرى في ثاني أهم مهرجان سينمائي عالمي بعد "كان"!
لقد استفاد مخرج الفيلم شموليك ماعوز من "الموضة" التي أطلقها من قبله "فالس مع بشير" والمتمثلة بمضغ عذابات الجندي الإسرائيلي المرهف الحس والهش نفسيا أثناء حروبا فرضها عليه المحيط المتوحش والهمجي.
ولكن ومع أن "لفانون" هو فيلم متقن فنيا ودقيق الى ابعد الحدود في استخدامه للمؤثرات وتوظيف الحاجيات المختلفة والمحيطة بالمكان المقفل (الدبابة)بحرفية تحسب له ، الا أنه يمعن بغباء وانغلاق أو ربما خبث مقصود بترسيخ الإحتكار العسكري الإسرائيلي للأخلاق في هذا الشرق "الظالم".
فوسط بحر من جثث لعرب كثيرين لا وجه ولا أسم ولا انتماء لهم(في اباحية غير مسبوقة بالسينما الحربية) يجلس اربعة جنود اسرائيليين وسيمين بشكل منفر داخل دبابة شبه معطلة ليتبارون باستعراض رهافتهم النفسية وحسهم العالي. بينما لا نشاهد البلد المحتل"لبنان" وأهله الا من خلال جثث مشوهة ومقاتلين يتخذون من المدنيين دروعا بشرية ثم يموتون ، إضافة الى عناصر مليشيات يمثلهم أشرف برهوم (لا أعرف كيف قبل هذا الدور) حيث يتفنن المخرج بتصوير همجيته وإجرامه ومكره مقابل العمق الإخلاقي المتجذر للجندي الإسرائيلي وهو يحمي الأسير السوري من مخالب الكتائبي في واحد من اكثر المشاهد المقززة التي شاهدتها في السينما(وقد شاهدت الكثير).
وطبعا لا يمكن تمرير الأمر دون "كلوز أب" تطلقه عدسة رجل إسرائيلي بعيون زرقاء (دلالة على قوى الخير) على حصان أو حمار يحتضر بفعل الحرب والقتل وأيضا على طريقة "فالس مع بشير".
ولكن من غزا لبنان؟ولماذا؟ ((who fuckinn’ care، يكفي ان جندي الإحتلال إنساني، أخلاقي ومتفهم وعيونه زرقاء أو خضراء كي نغسل ايدينا الملطخة بالعار والشك.
ولكن وبعيدا عن السخرية وبما ان الفيلم سوف يعرض في كافة انحاء أوروبا فهي فرصة ذهبية لتحويل كل عرض له وكل احتفاء به لتظاهرة واحتجاج فضائحي ضد آلة القتل الصهيونية (وأخلاقياتها) فقد نعيد الإعتبار للمخرج الإنجليزي كين لوتش المعروف بمواقفه وتظاهراته المعادية للعنصرية الإسرائيلية والذي قام عرابو السينما الإسرائيلية "بشرشحته" علانية وعلى منصة مهرجان حيفا الدولي الأخير للأفلام معلنين عن حجب إيرادات فيلمه الأخير عنه وتحويلها الى صناعة المزيد من الأفلام العبرية.

الخميس، 15 أكتوبر 2009

من والى الفندق..

من والى الفندق...
1
إذاً وقعنا أنا وصديقتي ريري في فخ إغراءات السفر بصفقات بخسة الثمن (كل شيء نسبي حتى اللحظة) من خلال شركات اللحظة الأخيرة والتي يجب ان تكون قد وصلت الى حالة لا تطاق من قدرتك على احتمال تعقيدات حياتك ولهاثها نحو المجهول كي تقتني صفقة مثيلة وخلال دقائق من دون التحقق من ..نوعية الطائرة وتاريخ صيانتها وماهي جنسيتها ( mixwing- ما هذا؟؟أهي شركة طيران أم قناة إباحية تبث وفق مفاتيح سرية)...
أما الفندق...
ما أجمل روما ....أرض قاحلة وخراف..الكثير من الخراف غير الضالة هذه المرة..

2
تلقي بنا شركة الدقيقة التسعين إضافة الى بخلنا الفجائي أنا وريري الى اللاشيء..الى خارج خارج روما..الى ما بعد بعدها ..نقف أنا وريري على أسفلت مجنون يلتهب حينا ثم يندم ..ننتظر حافلة لا تأتي ..حافلة من المفروض أن تنقلنا الى خارج روما (لأننا أصلا خارج خارجها)...تتوافد الحافلات التي كتب على واجهتها الكترونيا وجهة نهائية هي ليست وجهتنا ...الهي ما هذا الخواء..أهذه هي روما؟؟ الساعة تقارب الثالثة ،أي مر دهر ونحن واقفون ..مر عمر..لم آت الى هنا لأقف على اسفلت خاوي أحسب ما ضاع على سطحه من عمري..جئت إجازة متضاجعة لأوقف الزمن الهادر قليلا...
لا حافلة بالأفق..لا ملمح يوصل احتمالات قرع أجراس روما المستحيلة...
لماذا تذهب الحافلات جميعها في الإتجاه المعاكس فقط، خلافا لما هو مكتوب...
تشتد الشمس...
أما روما...

3
خارج الزمان والمكان (ليس ذلك كليشها أدبيا ممجوجا) لا تصل أي حافلة ..تمر السيارات بتقاطر متعب للأعصاب ينظر سائقيها / أو أشباحها علينا ثم يمضون ...
إذا اليوم هو الجمعة والساعة تلامس الثالثة والنصف ...تقول لي ريري : ألا يشبه هنا منطقة "راسكو" في نتسيرت عيليت ؟؟أو استراحة ديمونا في الطريق الى الجنوب..الى مصر؟
ايه يا مصر؟؟
ولكي نقتل الملل ونتجاوز هول الكارثة الإيطالية هذه الذي وقعنا فيها ..نتذكر أصدقاء قدامى كانوا قد حاولوا الإلقاء بنا (هم الآخرين) في بئرهم الخاوية التي لا قاعدة لها ، ولكننا تسلقنا في اللحظة ما قبل الأخيرة وفررنا الى حقيقتنا المريحة...
الى هنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الى مكان ما قبيح محشور بين عاصمة العالم القديم وريفها المفترض..


4
"الأماكن كلها مشتاقة لك..والعيون اللي تركز فيها خيالك"...أدندن
يا ترى ماذا حدث للأم وابنها الإسرائليين الذين كانا معنا في الطائرة ونزلا في نفس الفندق؟(لدي حرص عندما أتواجد في أوروبا الا اتكلم العبرية التي اتقنها بفضائحية والا أكلم الإسرائليين وان اتنكر لهم تماما وان اشعر بالإمتعاض والقشعريرة عندما أصادفهم فجأة أو أسمع لغتهم في إحدى محطات المترو او المقاهي او شوارع المشتريات واللهو. وكأن الملايين منهم لا ينتظرونني لدى عودتي الى ارض الميعاد والموعد.. دقيقة بدقيقة ..ولحظة بلحظة)..يظهران فجأة ، نتبادل التحية تأتي الحافلة ..يسأل الفتى السائق : الى محطة القطار ؟ يصعدان ؟ نصعد ورائهما بعد سنتين ونصف من الإنتظار...
روما !!

5
روما!!
جادات، مقاهي، مطاعم بيتسا وباستا...الكثير الكثير من مطاعم البيتسا والباستا، رموز تاريخية عملاقة وحولها شوارع ومارة ، ناس جميلون، مشتريات، علينا وعلى المشتريات ،المزيد والمزيد من المشتريات..نزحف انا وريري بأكياس مشترياتنا بين الممرات المزركشة بالمزيد، نستريح هنا نتناول القهوة ، ثم البوظة ، ثم نتحدث عن منظومة علاقاتنا الشائكة أصلا ..أكثر من تشابك هذه المدينة مع عواميد ساحاتها التي تشبه القضبان الذكرية الجاهزة للإيلاج داخل قداسة السماء ..إذا.. جادات، مقاهي، مطاعم بيتسا وباستا...الكثير الكثير من مطاعم البيتسا والباستا، رموز تاريخية عملاقة وحولها شوارع ومارة ، ناس جميلون..ولكن بلا روح..وما هي الروح سوى ما نتوقعة منها؟
نعود في الليل الى محطة قطارات الأنفاق النائية خارج روما ، علينا انتظار تلك الحافلة الوهمية (نكتة الموسم) يقترب منا الشاب الإسرائيلي ، تتبعه أمه ..نمضي سويا أربعتنا نحو اللا-فندق ...لا اعرف من يسبق من..
فربما نصل..
(اكتوبر2009)

الخميس، 1 أكتوبر 2009

صالة عرض

يد تتدحرج على الأريكة
تتحسس نتوئاتها التي فتتها الزمان وحولها الى دموع بلورية/
صوت اوبرالي موجوع يصفع بقعة ضوء زرقاء/
بقعة ضوء حمراء تسيل دماءً غير مبررة...! /
أريكة مخملية داخل صالة/
سيارة إسعاف تنقل امرأة غُدرت لتوها/
ينتظر ابنها بائع الكعك بالسمسم عند الرصيف المقابل/
وسادة مخملية مغبرة بالمعرفة/
تتفحص الراقصة حدود حنينها الى
لحن لم ترقص على احتمالاته
بعد../
ينفجر الضوء البرتقالي داخل بؤرة كانت قبل لحظات
مرتع للفئران الجائعة الى معنى/
///
يصحب الأب الأعرج خارج المبنى الدخيل فتاته المعاقة
بعد أن طردهم الطبيب...
"لم أعد أقوى على احتمال تعاستكم..لم أعد.."/

تنساب اليد النظيفة على الأريكة من جديد/
...تداعبها كلمات وتقول..
"هيا نحتفي بطهارتك الراقصة...بفردانيتك النخبوية
ها هي الموسيقى تحاول أن تحيي ذكرى
كل ما اختفت أثاره من محيط الجدوى "
في الخارج:
صفارة إنذار تحوم حول جسم مشبوهة شهوته.../
رجل يصحب ظلا يحتضر.. الى المشفى المعتم /
طفلة لم تجمع قرشا عند تحويلة الدهر الخائن/
معلم يداعب نهد طالبته بشغف أبوي متقلب/
قطة تضع صغارها الخمسة وتفر..مذعورة من قرع الاحتياج .../
...
تلاحق بقعة الضوء عنق الراقصة
ثم تعتذر /
ثم تنفث الكواليس شوقا في غير مكانه/
ثم حيرة
ثم عتمة
وتنفجر سيارة مفخخة بالأسئلة
في الخارج...

الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

أكاذيب صيفية صغيرة!

الأربعاء مساءً، أجلس على إحدى البنوك العريضة التي انشأت قرب "بيت صهيونيي أمريكا" في شارع ايفن جفيرول بعد ترميمه وتحويله الى جادة مدينية حالمة وسط تل أبيب ، جادة تقطع المدينة من جنوبها البائس الى شمالها المترف ، كم تشبه هذه الجادة نظيرتها سان جرمان في قلب باريس!...

كذبة1: لا تشبه هذه الجادة المرممة سوى شارع في احقر ضواحي باريس التي تنتشر فيها روائح البول والشوارما ومخلفات السوائل المنوية.

أجلس ها هنا في مكان قرب المكان ، عند عصرونة تختصر الوقت والسابلة والحيوات المتقاطعة بعذوبة خياراتها ،أمرر لحظاتي..وضوضاء صمتى عند زاوية تغترب فارة من كل سؤال ، لغات ..لغات تداعب العبث المترقرق من بين أناملي...عبرية، روسية، فرنسية، إسبانية، انجليزية ...

كذبة2: أشعر أنني سأموت بعد قليل ، تكاد نسبة الرطوبة أن تلامس حاجز ال-%90 ولا متسع لي لأحصي قطرات الكراهية!

أشترى لنفسي كوبا بلاستيكيا أنيقا من القهوة المثلجة ..ما ألذها ..هي بطعم الحرية!

كذبة 3: لا قهوة في القهوة المثلجة هذه ولا أكاد أتذوق طعم السكر، وكأنني "أسّف" جليدا مهروسا بلا طابع، يا الهي ثمة قطعة ثلج تصعق لي دماغي.. إنه يكاد ينفجر!

يجلس بقربي زوجان – رجل وإمرأة متحابان، يتكلمان الإسبانية ويضعان بينهما كيس من التين..من كان يفكر مرة أن تصبح بلادنا بهذه العالمية والانفتاح القاري الممتع والمنعش ...

كذبة 4: أكره التين

يقبلها فتلعق له حلقة "البيرسينج" المغروسة في حاجبه الأيمن

كذبة 5: يتمنى أن تدهسها حافلة ليكمل رحلته في الشرق وحيداً.

تتشابك أيديهم بوله منفلت نحو اللانهاية ...

كذبة 6: نسي بالصدفة أن يخبرها بأنه مثلي، يعشق الرجال وكل شيء فيهم

يقترب مني رجل متسول ، ينظر الي طويلا ...يتفحص إن كان معي ما يستحق الذل.

كذبة 7: القهوة المثلجة تحولت الى حليب قطط مجمد

يتوجه الى الزوجين الإسبانيين الحالمين...يطلب منهم حبة تين..يختل التوازن الصلب المستشري بينهما
... حسنا باستطاعتك ان تأخذ واحدة ولكننا حسبناكم هنا تعيشون بين التين..تتنفسون تين..

كذبة 8 : يملك هذا المتسول قصرا في شمال يافا

يتلقى الجالس بقربي هاتفا..."ولكنك تعرفين كم أنا أحبك"...

كذبة 9: لم يخبرها انه يحمل فيروس أنفلونزا الخنازير كي لا تتركه وتهرب

إذا نلتقي في المطعم في "نفيه تسيدك"

كذبة 10 : حي "المنشية" العربي في يافا

اتلقى هاتفا، أين أنت؟ في "نفيه تسيدك"..

كذبة 11 : في ايفن جفيرول قرب "بيت صهيونيي أمريكا"..

وماذا تفعل هناك؟ أبحث عن ذاتي J

كذبة 12: سأنهار من التعب ولكنني لا أريد العودة الى البيت كي لا اضطر

هل ترغب أن نلتقي؟ بالتأكيد

كذبة 13: لا أعرف، تكاد نسبة الرطوبة أن تلامس حاجز ال-%95 ولا متسع لي لأحصي قطرات الاشتياق!

شاهدت فيلم "برونو"؟ لا لقد وعدتك..ألا أشاهده بدونك

كذبة 14: لقد شاهدت فيلم "برونو" لوحدي ومن غيرك كي أتجنب الحرج

ها أنا أشاهد برونو مرة أخرى خلال أسبوع واحد...

في غرفة الإنتظار

كاللاشيء اجلس في غرفة الإنتظار أو في غرفة الزيارة حيث يتم تقطير العذاب ليباع في أشهر جادات العالم، جلدا لحقائب وساعات "لويس فيوتون"..في غرفة الزيارة تتضح المعالم فجأة..كم خدعتنا هذه الحياة وكم صفعتنا ...كم مرة صفعتنا ! كيف مر هذا العمر وهي تصفعنا أمام تمثال عذراء لا ينزف حتى دنسا مؤجلاً...كالأبله أجلس في غرفة الإنتظار ، لا أقوى حتى على النظر في عيون عاجزة، متوسلة ...تتوسل إلي كي أصحح بعضا مما قد تم حسابه بشكل خاطئ مما أدى بالتالي لسلسلة لا تنتهي من النتائج اللامنطقية واللاعدل وبالتالي الإحساس الذي لا ينضب بما يسمى "القهر" ..ولكنني لا أقدر حتى على التنفس، فالمكيف لا يعمل ، ولا يوجد منفذ للهواء..اي منفذ! أصلا لا توجد مكيفات في هكذا أماكن... إنها الجحيم بعينه ...
تقول لي غيمة القيظ:
- خذ ورقة وقلم وسجل الخطوات التي يتوجب علينا اتخاذها لنقوّم قليلا من انعكاسات ورطة الظلم هذه !
فلنحاول الا نبالغ...هذا ليس ظلما بمعنى الظلم إنه نوع من سوء الفهم..سوء الفهم المفرط أحيانا ،فالأمور ليست حبكة في مسلسل سوري رمضاني عن العشوائيات ولا هي محكمة الى هذا الحد السافر والمبتذل..على كل حال أنا آسف...آسف على كل شيء وعلى عجزي هذا ...وعلى أنني لا شيء سوى كاتب استعراضي بالكاد ينظّر على ذاته ..ويفهمها أصلا...آسف ايها الوجع الجاحظ ...المفتوحة ذراعيه على وسعها ...آسف ايتها الشاة المسحوبة نحو السلخ وهي تنظر الي دامعة متهكمة في آن.. وانت أيا طفل يبكي ولا يجد لأحشاء دميته سبيلا..اسف ايها الوجع سهل التحضير...
اشعر بالموت يقترب ولا أجد منفذا الى هذا السهل الرحب، الحار، الرطب ، السمج، لماذا لا يدخل ثعبان مثلا كي ننشغل عن يقظتنا المالحة بخوفنا منه.
احاول ان أتمتم أغنية خريفية علّي أتحول ورقا اصفرا تنثره الريح بعيدا بعيدا من هنا وبأسرع طريقة:
" رجع أيلول وانت بعيد بليلة حزينة ومطرحو...ورقه الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك"...
تعاودني غيمة القيظ وقد أصبحت تفقد كثافتها استعدادا للغروب:
-سجلت ما أمليته عليك؟ هذه فرصتنا الفريدة لمواجهة صناعة السحر المتنامية والمتكلفة هذه. هل تفهم؟
يدخل تمرجي المصّح، مسكين! عن قصد أو دون قصد هو يشبه في لغة جسده وطريقة كلامه ، التمرجية من شاكلته في الأفلام المصرية النمطية أولئك الفاسدون الذين يتاجرون وينكلّون بالنزلاء:
- لماذا تجلسون هنا؟ اجلسوا في الغرفة المكيّفة هنا...لا تنسوا ، الزيارة حتى السابعة..
يفتح بابا يفضي الى حيز ابيض بارد بنكهة الفردوس وامرأة تعانق رجلا ببراءة مطعمة بحزن طفولي...
يتسلل ما تبقى من روحي خارجا عبر دخان سيجارة متخيلة..

الناصرة
أيلول 2009

عم يلعبوا الولاد

1
أقف عند حدود وهمية متاحة للكبار في جنة الألعاب الطفولية المحتدة في نهايات الصيف الوهمي هو أيضا..سوء فهم مزمن يحكم هذا الوجود المقتطع من نكتة تاريخية غير مضحكة، هل يعرف هذان الولدان شيئا
عن ملابسات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، والإسرائيلي العربي والفلسطيني العربي والفلسطيني الفلسطيني والشرقي الغربي والإسلامي اليهودي والإيراني السعودي و..و..حتى يتحابا بهذا الشكل المحرج ..وما أنا بفاعل؟ ..يعطي الطفل الثاني طفلي الأول طابة حمراء صغيرة انهكتها بصمات الطفولة المنزوعة عن المكان والملقاة في مكان..ماذا يعرف هؤلاء كي يتحابا بهذا الشكل..ما الذي يعرفانه عن لذة الكراهية والرعشة التي يبعثها البغض في البدن...قد يذل الطفل الثاني الطفل الأول في مطار بن غوريون الدولى وهو يبحث في كل فتحاته الممكنة عن طابة بلورية حمراء من كبرياء...
يتكلم الرجل الأشقر الطويل مع الطفل الثاني إنجليزية مطعمة بعبرية ولغة ثالثة أخرى غريبة ويشرح له بمنهج تربوي غربي اسماء الحيوانات وملاحظات عن حياتها (متجاهلا حيثيات نفوقها) والنباتات وانتشارها في ارض اسرائيل وأسرار ذلك..وكأن كل شيء كان قد أعد مسبقا قبل دهور..ما هذه الأسماء يا ربة كنعان ..لا تقترب مني أيها المستوطن الإفتراضي ...لكن ماذا يهم ؟ جميعنا مستوطنون على هذه الأرض ...
يقذف طفلي الأول الكرة الحمراء ذاتها فترتطم في وجه بنت تحبوا قرب الخروف الليلكي وتلملم ما تناثر ارضا من حروف القهر ..تستحيل الكرة الحمراء زهرة مفترسة كحلّ انتقالي..أو مرحلي كما يقولون..

2
ها انا اقف عند موقف الحافلات، يعبر باص رقم 40 تضع الفتاة الشاحبة خدها على الزجاج الملوث..في الداخل تحتمي عيونها بجسور وأنفاق المدينة وبانعكاسات أبراجها المنتصبة الجاهزة للإيلاج في ثقب التاريخ والجغرافية في أية لحظة معطاة ..تحتمي بجسر المشاة فوقها وفوق الحافلة ..يقطع صخب جماعة الفتية اللاجئين من دارفور حبل أفكارها..يتحدث زعيم الشلة عن مغامراته هو وأمه حين عبرا الحدود السودانية المصرية فالمصرية الإسرائلية فالإسرائيلية الفلسطينية فالعربية الإسرائيلية فالفلسطينية الفلسطينية فالشرقية الغربية فالإسلامية اليهودية فالإيرانية السعودية فالموالاتية المعارضاتية ..في طريقهم الى أرض البرتقال المهندس وراثيا..يقول الزعيم الدارفوري: هل تشاهدون ، رصاصة الجندي المصري لا تزال في جيبي!
تحتمي الفتاة الشاحبة بخيالات جسر عملاق تتوارى جثث القطط المتعفنة بين اعمدته ..تحتمي من لحظة حميمية واحدة ستجمعها بعد قليل مع امها وأخيها حول ذكريات طفولة بعيدة في قرية قرب تشرنوبيل، عندما تحولت الطابة الحمراء الى كتلة صفراء من الحيرة.
3
ها انا أقف هنا ، قبالة سنواتي التسع ، بفارق سنتين بين النبضة والأخرى ..ثمة خطأ في الحساب ولكن ولإعتبارات بلاغية ..ها انا اقف للمرة الألف خلال تسع لحظات متداخلة ، أحاول تأجيل جذوتي كي اتمكن من نطقها..(كلمة الحب) ..قبل أن يطلق سوء الفهم المزمن المبكي منيه من جديد ...ها هي الفرصة تذوي ..كرة حمراء تصبح فحما في قلبي..
أواخر اب 2009

في بلد المقاهي

مع خجل الخريف أجلس في مقهى في تلك المدينة التي يحملّون مرادفات أسمها أكثر بكثير مما قد تتحمل هشاشة عزلتها أو عزلتها الاختيارية أو فلنقل انعزاليتها المدججة بالمعاني...
يقترب النادل الأشقر بالجسد الفتي ، المتسفع بمنهجية مبكية..يقف عند حافة مائدتي المؤقته جدا جدا.. ويقول لي بعبرية ذكورية ..عبرية تميز لغة الجند الأعظم والتلفاز ، يخيل الي انه ومن دون قصد يتكيء بقضيبه على حافة مائدتي تلك ، هنالك حافة وهنالك مائدة وهنالك كون يتكئ على ذكرك الآن الذي يتكيء بدوره على مائدتي..زاويتي، يسألني بلهجته القبيحة:
- هل قررت ماذا تتناول يا أخي
- (لست أخاك ولن أكون كذلك) قررت شرب كابوتشينو مع وجبة مضاعفة من الإسبرسو ، كعكة فوندنت ساخنة بدون كرات بوظة من فضلك...بليز من فضلك .ساخنة جدا ومن دون بوظة.و صودا..
- أحلا*
- آه و منفضة سجائر من فضلك
- أحلا

يتحول نظر النادل عني وينزلق نحو المائدة المجاورة
- عيران أخي ما هي أخبارك، ما الجديد؟
- كيف أمورك أنت !ماذا تفعل هنا في تل أبيب؟
- لا شيء ، أتسكع مع صديقتي قبل الأعياد ؟ بانتظار هذه الفظاعة
- صبابا
- صبابا عليك، ماذا عن الجيش؟ انتهت خدمتك ؟
- نعم ، تحررت سريعا كنت اخدم هنا قريبا.. في القيادة، وأنت ماذا عنك
- الظاهر انني سأتلقى تثبيتا في الجيش، انت تعرف ! هناك في المناطق في كتيبة "موشيك"
- أحلا
- بحلا
- صبابا
- صبابا
- رائع
- مذهل
- لو سمحت ؟ قهوتي؟ الفوندنت الذي أعشق؟ الخريف الذي بدأت بشائره تزحف.. أريد طلبي قبل ان تنسحب احتمالات الطراوة ويعود الحرّ ليعصف بجذور أعصابي من جديد

تتكيء مؤخرته الآن على حافة وجودي..بحيث يمكنني قراءة ماركة سرواله الداخلي والتحقق من زيفها

-آسف أخي، حالا
-جيد
-أحلا
-ممتاز
- صبابا

ثمة عادة سخيفة كنت أمارسها في نهاية التسعينيات وبدايات الألفين اثناء إقاماتي القصيرة أو الطويلة الأوروبية منها خاصة ..وتتمثل هذه العادة بتفحص الشارع الذي أنزل فيه جيدا ومن ثم القيام بإختيار مقهى معين ويكون هذا المقهى هو العنوان الرئيسي لسيجارتي وقهوتي الأولى في الصباح أو في الظهيرة ...كل صباح..نفس المقهى ..نفس النادل/ة ...ونفس الطلب ...حتى ان نادلة باريسية توجهت الي بعد شهر من ذات الطلب -الطاولة - زاوية الجلوس منكسرة ..تقترح علي تذوّق حساءهم الخاص او شرب أي شيء..أي شيء آخر ..
ولكنني وبعد ان عدت بعدها بعامين معتقدا أنها ستنهار تأثرا لدى رؤيتي ..لم تعرفني..لا هي ولا عشرات النادلين والنادلات في عواصم أوروبا والجزر البريطانية ومدنها ..
إنها رغبة ساذجة (ومثيرة للشفقة أحيانا) بخلق حميمية بينك وبين مدينة ما وكأنك تقيم فيها من خلال مقهى يومي ما وطلب ثابت وحوار صامت مع نادل أو نادلة ..وكأن تلك العلاقة الهشة ستطيل من أيامك فيها وستحول الزيارة الى إقامة ...إنه الإعتقاد الوهمي لدى سائح في بلد ما بأنه ليس بسائح وبأنه يملك أكثر من مجرد مفتاح غرفة عابرة في مدينة عابرة..
وهذا ما يريح هنا..
النادلون يتحدثون مع رواد المقهى عن الجيش وأقسامه وخباياه ، وبلغة هي أصلا كريهة ومبتذلة وغير مفهومة وكل النادلون يعتبرونني أخا (أخا أكبر) ...والمقاهي؟؟ماذا أقول..هي حميمية ولكن ليست بدرجة قد تورطك وتلقي بك في هاوية شعورية جارفة
أما اللغة فهي بالفعل كريهة..كريهة جدا..وإن ذلك لمريح...
..
- الحساب ان سمحت
- دقيقة أخي
- جيد
- هل أعرفك من مكان ما؟؟ من الجيش ربما
- لا ،لا لا لست من هنا ، لست من هنا...انا من أوروبا بالأصل.. أنا لست من هنا..
تل ابيب
أيلول 2009

*مصطلح دارج بالعبرية تمت استعارته من العربية والقصد منه "تمام" أو"ممتاز".

ماذا الذي قاله يوسف إذا!

1
لا شك أن مسرحية "إذ قال يوسف" هي أحدى المحطات الثقافية البارزة التي قدمت محليا ولنقل فلسطينيا في هذا العام بسبب تضافر العناصر الإبداعية ، التمثيلية والإنتاجية لإطلاق هذا العمل ...ولكن هل هذا يكفي؟
تكمن مشكلة الكتابة عن هذه المسرحية من أثر الحملة الترويجية التي استبقتها ، أثرها على الجمهور وعلى المشهد الثقافي فالحملة لم تكن مجرد تسويق في إطار المعقول قبل العرض الأول بل أنها جاءت مطعمة بالتبجيل الذاتي والتبجيل الجماعي حتى قبل العرض الأول للعمل ، فالمكان الذي يضعك فيه القيمون على هذا لا مجال بعده سوى الى التهاوي مع توقعاتك أو بالأحرى التهاوي لدى ارتطام التوقعات المعدة سلفا مع النتائج . لا أعرف أحدا في حيفا لم يروج لهذا العمل ويبجله ولا أعرف أحدا في حيفا لم يرسل لي دعوة لحضور العمل أو بوستر له وهكذا سواء كان ذلك من خلال الفيسبوك أو البريد الألكتروني فكأن مدينة كاملة تطبّل لمسرحية، وقد يقول قائل أن هذه طريقة ذكية لتعبئة قاعة العرض على مدار ثلاث ليال متتالية ولكنها وبأثر عكسي تضع العمل في مأزق تبرير ذلك وهنا يكمن الخطأ ولنقل هنا جاءت الإشكالية ، فتبجيل العمل قبل عرضه جاء من من تربطهم علاقات قربى وصداقة وزمالة بعناصر العمل (وهم كثر) مما أبقى الجمهور (الآخر) في حالة من الخجل من كيفية وجوب تعبيره عن ردة فعله بعد المسرحية بسبب الإجماع المحيط والمقنّع في الغالب..وهذا لا يعيدنا أو لا يبقينا سوى في مناخ ثقافة "البلدة الصغيرة النائية" التي لا مهرب لجمهورها من القليل الذي يقدم لها مع ما يرافق ذلك من حرج نقدي يخلق جمهورا غير واع أصلا.

2
"إذ قال يوسف" عمل لا يتميز بشيء سوى بكونه هو ، وهو نتاج جهد جماعي من مجموعة "شبر حر" بالاشتراك مع مسرح young pic في لندن، تتحدث المسرحية عن النكبة التي عصفت بقرية "بيسمون" في شمال فلسطين من خلال يوسف وعلي، أخوان في مقتبل العمر تربطهما علاقة غريبة و معقدة. علي القوي الوسيم العاشق، ويوسف البسيط طيب القلب المُتَعلق بأخيه.
تأتي خيبتي الكبرى والشخصية من العمل من طريقة طرحه للنكبة –التي جاءت جافة وتقليدية ودون أي تحوير وخاصة اننا في زمن (ادبي على الأقل) تعاد فيه قراءة أحداث النكبة وتداعياتها من جديد وخاصة حكاية سقوط المدن الكبرى كحيفا ويافا ، فجاءت الحوارات طويلة مطعمة بخطب صماء وشعارات نكبوية وبكائيات غير مقنعة ومعدة مسبقا ولا تفضي الى أي مكان ولا الى تطور الخطوط الدرامية بين الأخوين يوسف وعلي وبين علي وحبيبته ندى.
يقف الممثل المبدع عامر حليحل وحيدا على الخشبة تقريبا ، يحاول في مشاهد طويلة أن يسند العمل بذراعية وبموهبته الجبارة، فتأتي ممثلة تؤدي بمستوى "يوم الطالب" فيجاهد ويجاهد ولكن أحيانا عبثا...كما لا تسعفه مونولوجات الولولة والندب الطويلة والتي يمكن اقتطاعها الى الثلث ولا الأداء الإستعراضي والتهريجي أحيانا ليوسف ابو وردة ولا التمثيل القديم والكاريكاتيري لسلوى نقارة وخاصة عند تقمصها دور المرأة الريفية. ولا الإداء الأحادي وغير المتلون لعلي سليمان.
تكمن مشكلة هذا العمل في الفجوة الهائلة بين النص وبين الإخراج الرائع وخاصة فكرة الفيضان المبدعة بالنصف الثاني من العرض(حتى أنني كدت اختنق بحق من أثر الماء)، وأقولها بصراحة كان على المخرج التخلي عن الصياغة النهائية للنص لكاتب مختص ولصالح رؤية إخرجية أكثر تكثيفا وحدة، وسردا نكبويا أكثر حداثوية.