ثمة أمور قد يستشعرها الكاتب عن بعد وقد تكون غير واضحة أو غير موجهة له بشكل مباشر وحاسم ، كمنع أو امتناع "دبلوماسي " مثلا عن نشر نص أو مقالة له لأسباب أخلاقية أو إيديولوجية أو دينية أو كلها مجتمعة ...وهذا ما حدث معي مع نص بعنوان " بإنتظار ماتتياهو" حيث امتنعت ذاتيا عن نشره محليا (وما هو مفهوم المحلية بالإنترنت؟؟) بعد ان كان سيخضع لحذوفات وتشويهات ،تنازلت عن شرفها بالنهاية بينما نشر النص كما هو في موقع مصري جميل هو " الكتابة الجديدة" دون أن يحذف منه حرفا واحدا ...ويقودني أسم هذا الموقع الى موضوعة "الكتابة الفلسطينية الجديدة" التي تواجه تحديات وجودية صعبة معظمها داخلية ...فعلى الرغم من محاولات فردية للفلتان من القالب والثقل السياسي والكتابة بالتالي بدافع فني ينبثق من مشاعر حقيقية وتفاصيل يومية غير معروفة تعكس الواقع الشائك على الأرض إلا إننا وللأسف ما زلنا أسرى ما هو "متوقع" عربيا من كاتب يعيش في فلسطين على أقسامها وهكذا تتعاظم المصاعب الكتابية وتتفاقم..فإضافة الى المحاذير الكتابية "الأخلاقية" التي يفرضها مجتمع ماض بعزم نحو السلفية والتدين المزيف مما يصعّب من عملية الكتابة ذات الطابع الجنسي والإيروسي والكتابة التي تحوي الفاظا حقيقية تستخدم كل ثانية الا أنها تندرج تحت فئة الألفاظ النابية أدبيا مع أنها سليمة لغويا واستخدمت في الماضي العربي الأغنى ...فإن الرقابة غير المعلنة حول الفحوى والتناول النصي هي الأخطر برأيي (أو انني بت لا أعرف ما هو الأخطر من ماذا ) فككاتب يعيش داخل فلسطين وخاصة في المناطق المحتلة عام 48 لديك شعور دائم بأنه يتوجب عليك التماهي مع مأساة اللاجيء وخاصة من هو في عمرك والذي ولد في المنفى ولم يرى فلسطين في حياته الى درجة إلغاء الواقع المفروض على الأرض ..تماهي يصل الى درجة تجعلك تتقمص المتخيل في رأسه وتصف البلاد كما كان هو سيصفها أو سيتعاطى مع أبجدياتها.بمعنى أن تسمعه بالضبط ما يود سماعه..تدخل هذه المعضلة الكاتب في متاهة فكرية تجعله يكذب كذبة ويصدقها ..وهذا ما حاولت وحاول غيري للإنصاف تحطيمه في نصوص على شاكلة "بإنتظار ماتتياهو" ولكن كيف تجرؤ على وصف حي في شمال تل أبيب بشاعرية تفوح منها رائحة تواطؤ ...هذا ما كاد يقوله لي أحد المعلقين على النص...فوفق هذا المفهوم ووفق دوامة المتوقع من النص المكتوب فعلي بدل أن أكتب عن ملامح حياتي الصغيرة على الأرض وأصدائها الوطنية ..من حب، ومرض، وخيبة واحتياج وشهوة وحيرة وترقب وانتظار وملل وشوق وفقدان وموت وحياة جديدة وأشياء صغيرة أخرى . كزحمة السير على مشارف المدن أو جرائم القتل العبثية في الصحف ...أشياء.يومية وبحق صغيرة ولكنها عظيمة بالنسبة لي ..لأنها عني ..ولأن هذا هو أنا ..ولأنني بالصدفة أعيش (أو أحاول أن أعيش) ما أنا .. يتوجب علي وفق ثقافة القالب أن أتغنى ببحر حيفا(الحربي بمعظمة) وكرملها (الإستيطاني بإمتياز) وبيارات يافا (غير الموجودة) وكأنني أسرح وأمرح فيها ليل نهار وكل ذلك بلغة مهذبة لا تتجاوز حدود وضعها أشخاص مصابون بالهلع والإنغلاق القومي المرضي.. نص يخلو من أي سخرية من الذات أو سخرية مطلقة أو تشكيك بالمسلّمات المعطوبة أو نقاشها أو حتى محاولة تناول تاريخنا ونكبتنا مثلا من زاوية أخرى قد تثير تساؤلات...إن عدم تحرير اللغة وتوسيع قماشتها هو بالضبط كعدم تحرير الكلمة من ضوابطها وحبسها ويصب كل ذلك في عدم تحرير الفكر الكتابي (إن وجد) من مخاوفه الأعمق والمستوحاة من المحيط عادة..فلذلك نجد أن الاستمناء الفكري والشعوري الرومانسي المتبادل بين الفلسطينيين والعرب وكتابهم سواء كانوا من الداخل أو الشتات لا يزال السائد على الرغم من محاولات التمرد الفردية ونلاحظ ذلك بشكل كوميدي وعبثي في الفيس بوك عندما يتكاتب فلسطينيين أحدهم من الداخل والآخر من الشتات حين يبدو كأن فلسطيني الداخل يحلق في فضاء من اللوز والزعتر والميرمية وبحر حيفا ويكاد يصدق ذلك - ولا زلت أذكر حين لقبني أحد الأشخاص من قطر شقيق عندما كنا نتكاتب انترنتيا بأنني "من حماة الأقصى" ..أنا!!! ..ويجرفني بحر حيفا الى معضلة المكان في النص ومحاذيره حيث لا زلنا نصنف الأماكن أدبيا بصفتها مقدسة أو نجسة فإذا كتبت مثلا عن ومن مركز فلسطين التاريخي بمعنى منطقة يافا-تل أبيب فهنالك تشكيك فوري بوطنيتك والتزامك بالشأن الى أن تثبت العكس..بينما تستطيع ان تكتب حتى الغد عن أحياء الكرمل والهدار وبات جاليم والبحر والجليل وقاعدة السلاح البحري مع أن الكرمل هذا بأحيائه قد لا يقل صهيونية عن تل ابيب وقد تم ضم ما تبقى من أحياء عربية في المدينة بعد العام 1948 الى الكرمل تماما كما ضمت يافا الى تل ابيب ولكن ما العمل إذا كان محمود درويش وأميل حبيبي قد اختارا العيش بمكان عن غيره مما منحه قدسية أدبية لا تفسير لها سوى شعرية الأسم وجمال الطبيعة إذا ما قارناه بأماكن أخرى مثلا وينسحب ذلك على الفرق بين الكتابة عن رام اللة مثلا بصفتها (عالموضة) وبين الكتابة عن قرى الخليل على سبيل المثال. ولكن الضحية عادة ما تخلق لنفسها قوانين صارمة تحافظ من خلالها على وهج اللقب المريح.
الخميس، 22 أبريل 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق