الأربعاء، 16 مارس 2011

أمور كبيرة...أمور صغيرة

1
ندخل الى الحافلة، يجلس كل واحد منا في مكانه الحتمي...لا يجلس أمريء قرب رفيقه أو رفيقته بمقاعد زوجية ...فالمقاعد الزوجية في الحافلات معدة لمن نسوا كيف تبدو الصور من عين واحدة ووحيدة بينما تمتلئ العين الأخرى بالتراب والديدان ورماد من ماتوا...لقد نسوا ...تستقبلنا الحافلة كملف الوورد الجائع لنص ينكحه..
ثمة رائحة في الحافلات تشعرني بالغثيان الدائم: انتظروا يا جماعة فقد أتقيأ في كل لحظة!
قد أجلس في أول الحافة كالأولاد الشاطرين المؤدبين ..في طريقهم المتعرجة نحو رحلة مدرسية يطغى عليها صوت الجالسين في المؤخرة..وما أدراك ما يحدث في الخلف..سمعت مرة أن الأولاد يمضون في عرض ما أصبحوا يملكونه حتى اللحظة..لحظتها.. ومقارنة أحجام قضبانهم وجمع محصلة شعيرات العانة التي ازدادت ما بين الرحلتين..تتعاظم وحدة الأولاد الشاطرين المؤدبين أضعافا وأضعافا فيما يلي الرحلة المدرسية..
2
ثمة رائحة في الحافلات تشعرني بالغثيان الدائم: قد تكون رائحة المكيف الغريبة الحامضية قليلا..أو ربما القاعدية ..لا أعرف، أنستني تعرجات الوهم ...دروس الكيمياء..
انتظروا يا جماعة فقد أتقيأ في كل لحظة!
فلا تلبث هذه الحافة أن تمتطي مطبًا وتتركه حتى تركب مطبا آخرا ...وهكذا دواليك..
قد أقفز من الحافلة الآن كالأولاد المشوشين حسيًا ..في طريقهم المتعرجة نحو منامات لا تتحقق مرةً، يطغى عليها زعيق العجز..وما أدراك ما هو العجز..سمعت مرة أن الصبيان يمضون في استعراض ما أصبحوا يعرفونه حتى اللحظة. ..لحظتها.ومقارنة كل ما تعلموه وسمعوه وشاهدوه ومارسوه وجمع محصلة أوراق الربيع التي تكومت بين المنامين..وقسمتها على يقظة عيونهم...يزداد جنون الأولاد المشوشين حسيا أضعافا وأضعافا في الصباح الذي يلي المنام المستحيل..
3
ندخل الى الحافلة، يجلس كل واحد منا في مكانه الحتمي...لا يجلس أمريء قرب رفيقه أو رفيقته بمقاعد زوجية...
ثمة رائحة في الحافلات تشعرني بالغثيان الدائم: انتظروا يا جماعة فقد أتقيأ في كل لحظة!
دعونا لا نتحدث عن المواضيع الكبرى في الحافلة ..فالدوار الذي يحتل رأسي جراء الطرق الجبلية المتعرجة الجميلة والساحرة(مؤخرتي تسحر البعض أكثر) يكاد بفتك بمسامات دماغي الباقية ...ولايترك أي حيز للنقاش..أو ترتيب الأفكار وجعلها تتساقط كأحجار الدومينو..لنتحدث عن أمورنا الصغيرة..اليومية..دعونا من مصر وليبيا وتونس وفلسطين والحاجز والتوزيع العادل لمقدرات العالم بين الأغنياء والفقراء..لنبحث أمورنا الصغيرة..على أن يحافظ كل منا على مقعد شاغر قربه..
4
فالمقاعد الزوجية في الحافلات معدة لمن نسوا كيف تبدو الصور من عين واحدة ووحيدة بينما تمتلئ العين الأخرى بالتراب والديدان ورماد من ماتوا..
تستقبلنا الحافلة كملف الوورد الجائع لنص ينكحه..
ثمة رائحة في الحافلات تشعرني بالغثيان الدائم: فلنتحدث عن أمور صغيرة ونترك الأمور الكبيرة لطريق واسعة بسبع حارات...
يسود صمت قصير ثم ينطلق صوت مبادر من الواضح أنه التزم بالبند الوحيد في الاتفاقية:يا جماعة..لقد اكتشفت بالأمس أنه بالإمكان طهي الأرز من دون استخدام أي نوع من الزيوت...ثم يقاطعه صوت متكسر مهشم... لم أنم منذ ثلاثة أيام متواصلة..يسمون هذا في أيامنا العجيبة هذه "اكتئاب" ...يتسلل صوت من الخلف ..من مقعد يبدو فارغا..عندما نظرت صباحا بالمرآة كان وقع الكذبة الكبرى لا يزال موصوما على وجنتي عند موقع الوسادة الأخيرة...كل ما قلته اليوم كان كذبا ...مجموعة من الكذبات المتكدسة التي تم إضافتها إلى الجحيم البشري هذا..الجملة الصحيحة الوحيدة التي سأقولها : أنني كنت أود أن أدس السم في القهوة الصباحية لساكني حيزي الضئيل للناقمين على حيرتي.. ثم الإلقاء بجثثهم في البحر..والهروب فوراً ..أو الانتظار..لا أعرف فقيد نسيت دروس الجغرافيا..يصدح صوتا من بين فراغات نوافذ الطل ..وكيف تحبذ قهوتك الصباحية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق